في الدنيا مافي مكان اجمل من السودان
من ضمن الابتلاءات التي يجب على مشاهد القنوات الفضائية السودانية، الصبر عليها أو الفرار منها، والتي تتفاقم بشدة في كل عام طوال ايام شهر رمضان الكريم، ابتلاء الإعلانات التلفزيونية التي تفرض نفسها على المشاهد بصورة تأتي في الغالب بنتيجة عكسية يفر معها المتلقي من السلعة المعلن عنها فرار الصحيح من الاجرب ..
الفضائيات بدون استثناء والتي تزغللت اعينها بملايين عائد الاعلانات، قررت ان تتجاهل ضجر وشكوى المشاهد من كثرة الاعلانات، وعدم مراعاة مشاعره ونفسيته بعد وقوعه ضحية للضغط والسكري والكآبة، حتى أفتى بعضهم بأن من يريد أن يجلس ساعة لمشاهدة التلفزيون في هذه الأيام، فهو بحاجة إلى أربع ساعات نقاهة حتى يخرج الضيق والكآبة التي تنقله لنا تلك الفضائيات مع إعلاناتها التي تفعل بمراراتنا، مالم يفعله باقان وعرمان بمرارة الطيب مصطفى ..
في علم التسويق والإعلانات هناك مبدأ بديهي، وهو أن الإعلان يسهم في دعم المنتج وزيادة مبيعاته، ولكن لا أعلم لماذا يصر منتجو الاعلانات لدينا على اختيار افكار فيها طابع (الدياكة) و(العوارة الما بشارة)، للترويج عن المنتج تجعل الشخص يكره المنتج ويكره كل من اسهم في هذا الإعلان السخيف وثقيل الدم ..
عمدة مشعوق يفكر في دبارة ليبني عمارة تجمع شمل الحلة .. الشي دي عمارة وللا برج خليفة حتى تتسع لجميع افراد القبيلة ؟!! غايتو فكرة الاعلان كوم وعرضة مساعد العمدة كوم براااها ..
وآخر يلقي علينا محاضرة طويلة عريضة عن التأثير النفسي للالوان .. لو جاك زول حرك وبحب الحياة اديهو لون زينب ده عشان ينكد عليهو ويطير ليهو الحراكة وحب الحياة من راسو !!
ثم جاء تنافس نجمات الغناء للتغني بحلاوة الـ (عدس .. عدس .. ما تقولوا لي)! أو (جيبو التونة .. كرهتونا .. زهجتونا) !! اظرف تعليق سمعته عن شغف التونة كان من العيال عندما سألوني: هي التونة كمان بياكلوها بالشوكة والسكين ؟!! فأجبتهم باجابة حبوبتا لينا : الما بتعرف لي ولا حرجا علي !!
سذاجة فكرة الاعلان المنفذ محليا وركاكة تنفيذه، ومحاولة استحمار المشاهد بل وعنصرية الاعلان المنفذ خارجيا، ربما اوقعت اصحاب الاعمال في حيرة البدايل المتاحة لترويج سلعهم .. الاعلانات المنتجة بواسطة الاخوة في الشمال ما بين سقوط (خديجة) من البلكونة و(عثمانة) المشروق بالدهانات، أما التنفيذ الشامي فيوحي اليك بأن المقصود به ناس غير ! وبما ان الشيء بالشيء يذكر ومع تحفظي على نمط الشخصيات السودانية التي تقدم في برنامج طاش ما طاش، فان ناصر القصبي يستحق جائزة الاوسكار على تقليده للهجة وطريقة الكلام بل وشكل الشخصية السودانية (ماااا تكضب انت منهبت ليك عشرة مليون) (قول اااي) و(ضربوا لي هسه)!!، خاصة اذا ما قارناه بصورتها في الدراما المصرية التي تكتفي بضرب الورنيش الاسود على بشرة الممثل ثم تلبسه جلبابا وعمة على طريقة عثمانة بواب العمارة الذي يذكّر المؤنث ويؤنث المذكر !!
الشيء التاني يا جماعة، في عالم الاعلان هناك عرف وربما قانون صارم، يلزم الشخصية التي تعلن عن منتج، بأن يكون تعاونه حصريا مع الشركة المنتجة، لانه يرتبط في ذهن المتلقى بأنه منحاز لهذا المنتج ولا يفضل عليه غيره، خاصة اذا كان الـ (غيره) نفس المنتج ولكن لشركة منافسة !! غايتو (جمال حسن سعيد) يستحق قصب السبق في انه اول من اعلن عن منتجين يتنافسان على ذوق المستهلك في السوق .. شاي بي لبن وشاي بي دهب !!
وحتى لا نتهم بتكسير المجاديف، لابد ان نذكر بأن هناك اعلانات دخلت قلوب المشاهدين بفكرتها الخلاقة أو تنفيذها المميز أو حتى ابداع الاغنية المصاحبة، ولولاها كان (بعنا لوارينا) أو (بالزيت طارت بكاسينا)، كحال أغنية (في الدنيا مافي مكان اجمل من السودان)، فكلما سمعناها رهفت احاسيسنا وتحسسنا موقع الوجدان منا .. حقيقة في الدنيا مافي مكان اجمل من السودان والمغالطنا يشوف ليهو بلد غيرو.
(أرشيف الكاتبة)