ابراهيم دقش : من الذي “يتمّ” هيئة نظافة الخرطوم؟
في بدايات الإنقاذ، استقطبت الحكومة بعض منسوبيها الإسلاميين من الخارج والاغتراب ووضعتهم في مواقع مختلفة، وأعرف أن فيهم من قبل بالعودة شريطة نيل راتبه الذي كان يتقاضاه في (الغربة) وبالعملة الصعبة أو فيهم من أغرته الحكومة ليعود بطريقة أو أخرى… بيد أن واحداً تم اختياره على أساس مهني بحت ولم يكن منتمياً للجماعة، فخلعوه من وظيفته المحترمة في “المملكة السعودية” ليبدأ في السودان عملية (النظافة) التي انشئوا لها هيئة مستقلة قائمة بذاتها في ولاية الخرطوم، وفق نصحه ورؤيته… وبذل الرجل جهداً مشهوداً لتقوم (هيئة نظافة الخرطوم) على أسس علمية وصحية متكاملة… وانطلقت ناقلاتها تجوب الشوارع والأحياء في مواقيت معلومة، وأشهد أن (النقلة) في هذا المجال كانت هائلة والفضل فيها لدكتور “محمد علي عبد الحليم”، وشكل هذا الرجل (ثنائية) متناغمة مع وزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم المرحوم “د. عبد الوهاب محمد عثمان”، وبفضل التخطيط الهادف والرؤية الثاقبة لاحت في الأفق بوادر نجاح تمثلت في تحسين الطرقات وفي تكامل الأداء الميداني، وفي ربط العمل بالجمهور في كل ما يتعلق بالبيئة والمواصلات والأراضي لدرجة أن تعبير (السكن العشوائي) حلت مكانه عبارة مهضومة، هي (السكن الاضطراري) حد أن أصبح للعاصمة القومية مخطط للهيكل العمراني قائماً على التقديرات الحسابية والمنطقية دون إغفال الجماليات.
لا أقول إن شخصاً مثل “د. محمد علي” قد تم التفريط فيه، أو إجباره على الرحيل، لكنه وجد أن ما كان يصبو إلى تحقيقه تعتوره ثمة إشكالات بعضها مصنوع، لكنه لم يترك البلد، وإنما خطفه القطاع الخاص (الواعي)، حيث وجد نفسه يتصور ويخطط وينفذ دون عوائق أو متاريس من أي شاكلة أو نوع.. وقد رأيته قبل أيام في موقع في أطراف الخرطوم سعيداً بالنجاح الذي حققه في أحد المشاريع.. وبطريقته الهادئة قال لي: هذا البلد يستحق أن نعطيه ما نملك، ولا يهم الموقع أو المكان، في الحكومة أو في القطاع الخاص بل المهم (الانجاز).
وهذا فهم متقدم جداً للوطنية! وفجأة قفزت أمام عيني تجربة نظافة الخرطوم التي (تلكلكت) وأضيفت للمحليات لحين من الدهر ثم أعيدت ثانية للوجود.. وكان هنالك تفكير – لا أدري مصيره بإيكال عملها لشركات خاصة، والواحد في تلك الحالة يتمنى ألا تتم (دلالة) عربات نقل النفايات! وبعد كل هذا المجهود يظهر من يقول إن الخرطوم أقذر عواصم العالم يا عالم!