الدور العربي في فلسطين حضور وغياب سلبي!
يعد الدور العربي في فلسطين من مواضيع ” الحاجة عند الطلب ” بمعنى أدق كلما أشتدت بعض الامور تذكر بعضنا الدور العربي المفقود في فلسطين.
وحقيقة لا ارى غياب لهذا الدور في فلسطين، بل هو حاضر وبشكل قوي وكبير ومؤثر، ولكن السؤال ماهي مساحة حضوره؟ والجواب بالتاكيد هي مساحة سلبية ومؤذية بكل معنى لهذه الكلمة، فمجرد غياب الدور الرسمي العربي بهذا الشكل الغريب في فلسطين، هو حضورآ مميزآ في خانة السلبيات، وايضآ مجرد حضور إعلامه وفضائياته وصحفه ووكالات أنباءه، والذي يستهدف وطننا وقضيتنا وشعبنا بحقده هو حضورآ اخر سلبيآ وبامتياز، وهو هدية منهم يعيش مفرداتها الفلسطيني كل صباح يوم جديد، فمن قال ان العرب غائبين عن اشقائهم في فلسطين!! بل ان لهم حضور اخر اكثر تميزآ ووضوحآ وذلك من خلال بعض الحملات الاعلامية الفضائية والمكتوبة والتي تقدر يوميآ بمئات الساعات لغرض التحريض وقلب بعض الحقائق على الغالبية السكانية الساحقة التي يمثلها شعبنا ومقاومتنا وهبتنا الجماهيرية في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، حيث يضعوهم كل يوم في حفل مزاد مفتوح للتبرع بهم الى الإمبريالية العالمية والصهيونية الامريكية، واذا كان ممكن تفهم بعض المواقف اذا كانت تصدر من مواطن بسيط تاخذه مشاعره الوطنية الى حيث لا يدري، فان الغريب أن متنفذين وساسة وكتاب وصحفيين واعلاميين معروفين وشخصيات اكاديمية عرب تدخل في هذه الحلبة بكل قوتها وهي تعرف مسبقآ ان النتيجة هي الخسارة للجميع عرب ومسلمين، لذلك فان حسن النية بمثل هؤلاء ليس لها وجود في مثل هكذا ميدان خطير.
ما دعاني أن أكتب هذا المقال هو التصريح الصحفي للسيد ضاحي خلفان نائب رئيس ما يسمى بشرطة دبي والذي يقترح بعدم قيام دولة فلسطينية والاكتفاء بدولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين، حيث اقترح الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي، عدم قيام دولة فلسطينية بل دولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين واليهود، وذلك في سلسلة من التغريدات على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قائلا يجب أن نتعامل مع اليهود على أننا أبناء عم نختلف معهم على وراثة أرض، وان الفيصل في الحكم من يقدم دليل، اقترح عدم قيام دولة فلسطينية وإنما الاكتفاء بدولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين واليهود وتضم للجامعة بعد 70 عاما سيكون العرب 75% من سكانها، متابعا بهذا نعيش مع اليهود في سلام دائم، لأن قيادة دولة فلسطينية بإدارة عرب بتكون زيادة دولة فاشلة في العالم العربي على الدول الفاشلة عربيا وما اكثرها، حتى يعيش العرب في الدولة الشراكة يهوديا وعربيا بإدارة يهودية ناجحه، ثم يكونوا بعد 70 سنه أغلبية وتعلموا من اليهود، كجنوب افريقيا الآن ويحكموا، مضيفا إن فكرة الاندماج مع اليهود في دولة فكرة ولا اروع منها، إذا التحم العرب مع اليهود في لحظة من لحظات التاريخ المعاصر سيكونون قوة الله على أرضه، قوة مال وقوة عقول وقوة بشرية، وستزدهر البشرية وتسعد، فلولا اليهود مصاريكم ما عرفتوا توقعوا في بنك خراطة، فاليهود اليوم هم عصب الاقتصاد في العالم، وأردف خلفان قائلا أيها العرب لن توقفوا إسرائيل عند حدها ولن تعترف بكم إلا إذا أصريتم على أن تكونوا جزء من إسرائيل، على اية حال أمريكا تحاول تتقرب من إسرائيل، دول العالم كلها.. التقارب يحل المشاكل.. ليش ما يكون لنا مع اليهود تحالف ضد أعداء الشرق الأوسط.
إن كلام ضاحي خلفان هذا يحمل اشارات غاية في الخطورة عن اي دور ممكن ان تقوم به الدول العربية مستقبلآ في فلسطين, فهو يقول نصآ (اقترح عدم قيام دولة فلسطينية وإنما الاكتفاء بدولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين واليهود وتضم للجامعة بعد 70 عاما سيكون العرب 75% من سكانها) وهي قراءة وإقتراح خطير لهذا الرجل.
إن الدعم العربي والشعبي والرسمي والإعلامي يحتاج للكثير من الجهد المخلص والامين ليعدل مساره وخاصة مع القضية الفلسطينية، وكم كنت اتمنى مثلآ ان يأتي السيد خلفان بخبر تبرع الإمارات أو دول الخليج العربي باعادة إعمار بيوت ومنازل ومصانع شعبنا في محافظات مثل خانيونس ورفح وبيت حانون وجبياليا الوسطى وغزة ومدينة القدس ونابلس وطولكرم وجنين في وقت واحد، وكم كنت اتمنى ان يتم مساعده جرحانا البواسل وتركيب اطراف وقرنيات لهم، وكم كنت اتمنى ان يتم دعم لبناء مدارس ومشافي ودور عباده، وكم كنت اتمنى ان يتم ارسال دعم ومساعده لطلابنا وعمالنا وصيادينا ومزارعينا لتقوية صمودهم على الارض الفلسطينية، وكم كنت أتمنى ان نصحى يومآ والاخبار تنقل لنا ان الدول العربية كلفت الجامعة العربية بالاشراف على تعمير كنيسة المهد والمسجد الاقصى المبارك وبناء منازل لابناء شعبنا في مدينة القدس وتعمير منازل البلدة القديمة فيها، كتبرع من الأشقاء العرب الى اشقائهم الفلسطينيين المرابطين والمدافعين عن ثالث الحرمين الشريفين، فمثل هكذا تصرفات ستترك الاثر الايجابي الكبير والمؤثر وستعيد الامور الى نصابها الحقيقي على الاقل شعبيآ في فلسطين فمن اين جئت يا سيد خلفان باضغاث الاحلام هذه، ولماذا هذا الاصرار على الغياب والحضور العربي السلبي على حد سواء !!
لقد استند الاعلام النازي على مبدأ وزير دعايته غوبلز وهي: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، اما الاعلام العربي الرسمي فقد تجاوز هذا المبدأ الانتهازي بمراحل عديدة، بل هو يقف على قمة المساوئ، ويكاد يكون وصفه هو: كن وقحا حتى يخافك الاخرون ويصدقك الناس.
من الاكاذيب الوقحة للاعلام الرسمي العربي والتي هي تعبر كالعادة عن وجهات نظر انظمتها،هي المساعدات العربية سواء المادية او المعنوية، والتي تقدمها الدول العربية عادة للبلدان الفقيرة سواء في بقية انحاء العالم العربي او الى بقية دول العالم الاخرى الفقيرة.
فمن ضمن الاخبار التي لا يقف عندها البعض الخبر التالي الذي تناقلته وكالات الانباء مؤخرا حول وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المعروفة بإسم الاونروا والتي تأسست عام 1949 لغرض مساعدة اللاجئين الفلسطينيين والذين يصل عددهم الان تحت رعاية تلك الوكالة الدولية اكثر من 4.5 مليون لاجيء، وكل اعمال الوكالة هي انسانية بحتة وخاصة في رعاية اللاجئين وتشغيلهم وتقديم العون لهم خاصة من ناحية التعليم والصحة وتوفير الغذاء بالاضافة الى ان غالبية العاملين فيها هم فلسطينيون، وهي امور يجتمع عليها الجميع بما في ذلك الممسوخة عقولهم وقلوبهم!
ميزانية تلك الوكالة الدولية ليست بالضخمة حتى تقوم بتلك الاعمال الخيرية، بل انها سوف تكون للعام 2009 حوالي 1.1 مليار دولار وهي مبلغ صغير بالقياس الى ميزانيات الدول الاخرى وخاصة الدول النفطية العربية بل هي مبلغ يعادل جزء صغير من ميزانيات بعض الشركات العقارية في العالم العربي فكيف الدول الغربية التي تمتلك شركات عملاقة في فروع الانتاج المختلفة؟ اذا تقوم تلك الوكالة الدولية الهامة بغوث شعب عربي مسلم في اغلبيته ومشرد في داخل وطنه وفي خارجه ايضا، والسؤال الذي يطرح نفسه:كم هي مساهمة الدول العربية مجتمعة في ميزانية تلك الوكالة الخيرية؟ الجواب المخزي هو:1% يعني 11 مليون دولار !! حسب مصادر تلك المنظمة التابعة للامم المتحدة!.اذا المعلومة صحيحة ولامجال للشك فيها.
والمضحك المبكي في آن واحد ان رئيسة تلك الوكالة قد طلبت من المسؤولين البريطانيين الضغط على الدول العربية لزيادة مساهمتها في انشطة تلك الوكالة!. ياللعار…وعار مابعده عار!… لا دين ولا وطنية وانسانية تجعل الحكومات العربية وأثريائهم يتحركون لانقاذ برامج تلك الوكالة الدولية لمساعدة اخوانهم المنكوبين!.
لو اطلاعنا على واقع الدول العربية الاقتصادي لوجدنا جميعها بلا استثناء يمكن لها المساهمة بأضعاف المبلغ المعلن للمساهمة العربية المشتركة.
ولو فرضنا ان نستبعد مشاركة الدول العربية الغير نفطية بأعتبارها ضعيفة اقتصاديا (وهي ايضا مسؤولة) لوجدنا ان هنالك دول الخليج العربية الست في مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى العراق وليبيا والجزائر.
ولو استبعدنا مصر وسوريا واليمن نظرا للظروف الصعبة التي يمرون بها، وكذلك الجزائر لكبر عدد سكانها والأردن لتدهور حالتها الاقتصادية وتونس نظرا لسوء ادارة الدولة فيها (رغم امتلاكها ما يقارب من 150مليار دولار فائض متراكم لديها ولا تعرف كيف تفيد شعبها.
تبقى هنالك سبع دول عربية لديها فائض ضخم ناتج من ضخها للبترول بما يفوق حاجات شعبها الاساسية بمرات عديدة، ومن المقدر ان يصل الواردات النفطية لتلك الدول لهذا العام اكثر من 600 مليار دولار امريكي! بالاضافة الى مايزيد عن ترليونين من الدولارات كفائض متراكم منذ سنوات عدة!!. تعجز تلك الدول بمساعدة تفوق 11 مليون دولار لشعب شقيق مجاور لهم!
وهنا نتسائل اين وسائل اعلامهم الوقحة التي ملئت الدنيا ضجيجا فارغا
اين الجزيرة وقناه الغد العربي من دعوة قطر لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين العربية والقنوات الخليجية من دعوة السعودية لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين قناتي ابوظبي ودبي والشارقة وعجمان من دعوة الامارات لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين القنوات الإسلامية من دعوة بلدانهم لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين قنوات الكويت الفضائية لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين قنوات عُمان الفضائية لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
أين قنوات البحرين الفضائية لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
أين قنوات العراق الفضائية لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
أين قنوات المغرب للمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
أين قنوات السودان وجيبوتي وموريتانيا لمساعدة ودعم اشقاءهم في فلسطين؟
اين بقية قنوات الاعلام المتبجح بالوطنية والانسانية؟
صحيح لاحياة لمن تنادي
اين اثرياء العرب الذين جمعوا ثرواتهم الضخمة في العالم العربي بعبقريتهم الفردية الفذة! وحفلة واحدة من حفلاتهم الصاخبة تفوق تكاليفها كل تبرعات الدول العربية، ولكن اذا اردنا تجربة عصاميتهم، اتركهم في شوارع الغرب لكي يبدأوا حياتهم من جديد وبعصامية، سوف نرى عبقريتهم الفذة بعد عقود من الزمن يتسكعون في الشوارع طلبا للمساعدة!! لكون ليس هنالك مجال كالموجود في الدول العربية للاثراء غير الشرعي وبلا حدود!
وفي ظل غياب كامل للأثرياء العرب والمسلمين عن دعم القدس المحتلة وانشغالهم بشراء الفضائيات والمصالح التجارية، يتنافس أثرياء اليهود في الداخل والخارج لدعم المشاريع الاستيطانية وبناء الكنس في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة من المدينة.
ورغم وجود العديد من المشاريع العربية والإسلامية فإنها شحيحة وتبعد عن قلب المدينة الأكثر عرضة للتهويد، الأمر الذي دفع مسؤولين فلسطينيين إلى مناشدة الأثرياء العرب لمنافسة نظرائهم الإسرائيليين في دعم المدينة المحتلة.
هذا العار العربي في عدم مساعدة شعبنا وقضيتنا ووطننا فلسطين ليس جديدا، فكلنا يتذكر كارثة تسونامي نهاية عام 2004 والتي اصابت عدة بلدان فقيرة في جنوب شرق آسيا وغالبية الضحايا هم من المسلمون وكانت المساعدات الغربية من الضخامة بحيث ان مباراة كرة القدم في مدينة واحدة في استراليا جمعت اكثر من عشرة ملايين دولار لمساعدة الدول المنكوبة بزلزال تسونامي.
اما مساعدة الدول العربية الثرية، فكانت مليون دولار من الكويت وعشرة ملايين من السعودية وما يقارب من تلك المبالغ من قبل الامارات وقطر وغيرها! ولم تستجب تلك الدول لنداءات الدول الاسلامية المنكوبة بزلزال تسونامي وخاصة الصادرة من ماليزيا واندونيسيا!
الى ان جاء التوبيخ الامريكي والغربي الشديد لتلك الدول التي خافت من تأثر حماية تلك الدول لامنها الوطني، فسارعت بالتبرع ليس حبا بالمساعدة ولكن خوفا من ردة الفعل الغربية! ومع ذلك كان مجموع المساعدات العربية بعد الزيادة هو لايزيد عن 2% ! ومع تلك الفضائح ترى الاعلام العربي مستمر بالتبجح بالمساعدة لدول العالم الاخرى، وهاهي نكبة شعب فلسطين الثانية وقد كشفت عورتهم، وسوف نرى العقاب الالهي المنتظر على قسوة قلوب الدول العربية تجاه أشقائهم الفلسطينيين.
بل جاءت تباشير ذلك العقاب الالهي سريعا مع الازمة العالمية الراهنة، فقد خسر العرب سواء حكومات او شعوب اكثر من 2.5 تريليون دولار كما ذكرت ذلك وسائل الاعلام الاقتصادية العالمية، نعم ترليونان ونصف الترليون، وانخفض سعر برميل النفط من 147$ الى 40$ الان خلال اربعة شهور فقط!
فهل يعي العرب لحجم العقاب الالهي القادم والمنتظر لتركهم اخوانهم الفلسطينيون يموتون جوعا وحزنا وألما؟!! لا اظن ذلك يتحقق وسوف نحتاج الى زلازل نفسية على نمط تسونامي نفسي لكي تنقذ نفوسنا من الغفلة والقسوة.
*إعلامي وباحث سياسي
دنيا الوطن