نجل الدين ادم : هل تراجعت هيئة علماء السودان؟
طالعت أمس إعلاناً على الصفحات الأولى لبعض الصحف اليومية من هيئة علماء السودان يبين أن ما قال به رئيس الهيئة البروفيسور “محمد عثمان صالح” إن الهيئة ترفض تعديل مادة (يبقى لحين السداد)، لا يمثل رأي الهيئة الموقرة، وأنها لم تصدر رأياً أو فتوى حول المادة، وأن هذه القضية مطروحة الآن للنقاش أمام العلماء وعبر المؤسسات المتخصصة، والهيئة ستبيّن رأيها عبر وسائلها المعتمدة، وختم البيان الصادر بأن هذا لا ينفي حق العلماء من أعضاء الهيئة في إبداء آرائهم الخاصة وهي ليست بالضرورة رأي الهيئة.
ما هو ملفت للنظر ليس في جملة المعلومات التي وردت في الإعلان، لكن الملفت أن هذه البيان جاء ممهوراً باسم الأمانة العامة لهيئة علماء السودان.. في بادئ الأمر وأنا أقرأ السطور قلت إن رئيس الهيئة البروف “محمد عثمان صالح” هو من دفع بهذا التوضيح بغية تبيان الموقف الرسمي من الشخصي وإزالة ما جاء على لسانه، لكنني تعجبت عندما قرأت في نهاية الإعلان اسم الأمانة العامة!
هذا قادني إلى سؤال: أيهما أعلى الرئيس أم الأمانة العامة؟ وهل تملك الأخيرة سلطة نفي حديث رئيسها؟ الإجابة البديهية هي لا، لأن الرئيس يمثل السلطة الأعلى وهو الممثل للهيئة وكل ما يصدر عنه حتى إن لم يقل إن هذا الموقف هو الموقف الرسمي، هو بالضرورة يمثل الهيئة.
تعجبت أية لائحة تلك التي اعتمدت عليها الهيئة؟! ما جاء لا يستقيم عقلاً لأن ذلك بسهولة يعني هزيمة المؤسسة، طبيعي لو كان في نهاية البيان رئيس الهيئة أو مكتب رئيس الهيئة.
هيئة علماء السودان برغم أنها جسم تطوعي يصدر الفتاوى وينظر في الأمور العامة إلا أن مواقفها ظلت على مدى السنين ذات أثر وكثيراً ما استعانت الدولة برؤاهم الفقهية واستعانت بهم في بعض جولات التفاوض في أوقات سابقة، وللهيئة رصيد كبير من النشاط يفوق مجمع الفقه وهو جهاز رسمي يعنى بالنظر في الفتاوى الدينية أو غيرها، ويعدّ بمثابة مستشار للدولة في تقديم النصح والحجج والبراهين والبت في بعض المسائل الدينية المعقدة، لكننا من خلال متابعتنا شهدنا بالدور الكبير الذي تقوم به وما تقدمه من مبادرات لإقامة الندوات الدينية والمناظرات، لكننا نقول للأمانة العامة إنكم هذه المرة أخفقتم في طريقة عرض البيان، لأن ما نشر لن يجد تفسيراً من أي قارئ إلا أن هؤلاء العلماء مختلفون مع رئيسهم.. وإجراء بسيط كان يمكن أن يجنب الأمانة العامة هذا الحرج.. صحيح أن القرار في مثل هذه القضايا يأتي عبر المؤسسية حيث يقول العلماء آراءهم في القضايا المتباينة وفي نهاية الأمر يصوت على القرار ويصبح ذلك هو القرار النافذ، مع حق الرئيس في التعبير عن الهيئة بوصفه السلطة الأعلى.. فقليل من التنسيق وإحكام أوجهه كان يمكن أن يجعل الأمر مختلفاً ومقبولاً.. والله المستعان.