درس من القضارف!..
> تضج الساحة بالكثير من القضايا السياسية وجدالها الرتيب ويتابعها الرأي العام، لكن قضايا الخدمات ومخاطبة هموم المواطنين الحقيقية، هي التي تستقطب اهتمام المواطنين وينفعلون بها أكثر من أي شيء آخر سواها. ولو ذهبت الحكومة مباشرة إلى المواطن لتعالج قضاياه لكفاها. فالسياسة في كل الدنيا تحولت إلى خدمة الناس ومعالجة أوضاعهم في المعاش والخدمات وتسهيل وتذليل الحياة وصناعة الرفاء الاجتماعي والاقتصادي، ولم تعد الهتافات وما يصدر من حناجر السياسيين ونقاشاتهم وخلافاتهم والمجادلات الحزبية والتكالب على السلطة عن طريق لعبة الكراسي.. تجدي فتيلاً..
> أمس، كنا في تجربة فريدة بولاية القضارف، في معية النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح، وعدد من الوزراء الاتحاديين، ووفد كبير من الولاة السابقين الذين سبق وعملوا بالولاية، وشخصيات برلمانية وصحافية. فمدينة القضارف ظلت تعاني من أزمة مزمنة من عقود تطاول بها الأمد، منذ خمسينيات القرن الماضي، ظل الحديث عن مياه القضارف. فالمدينة التي تقع في أهم مناطق الزراعة المطرية، تعاني مشكلة المياه دون حل، تعاقبت الحكومات، وتغيرت الإدارات المختصة، ووُضِعت الخطط والبرامج دونما حل جذري لهذه المعضلة. ونذكر منذ أربعين عاماً أو تزيد، البحث عن حل لمشكلة المياه من حوض العزازي ومد خطوط المياه للمدينة من هناك، كثير من الوعود بُذلت بلا طائل أو نتيجة، لكن بالأمس فقط، تنفس المواطن في مدينة القضارف الصعداء ببدء العمل في مشروع الحل النهائي لمياه القضارف، وقد اختارت له حكومة الولاية خاصة وزارتها للتخطيط العمراني والمرافق العامة، شعاراً لا يخلو من دلالة عميقة تعبر عن حقيقة الأزمة وذيولها وانتظارات المواطن الطويلة لها، وهو شعار (وأشرق الأمل)، ثم تصميم هتاف بسيط على كل لسان دوى بالأمس على طرقات المدينة وميدانها الرئيس الذي احتضن اللقاء الجماهير للنائب الأول، فالكل يهتف (الموية جات).
> وضع مشروع مياه القضارف الذي دشن العمل فيه النائب الأول أمس، في محورين أساسيين، هما مشروع المحطة الرئيسة بمكوناتها للضخ من السد في أعالي نهر عطبرة وستيت، والخطوط الناقلة من هناك حتى خزان الشميلياب قرب القضارف بخزاناته والملحقات الأخرى، ويكلف هذا المحور «750,500,00» مليون دولار، وتنفذه شركة (CW1) ويبلغ الإنتاج الفعلي عند إنتهاء هذه المرحلة بعد عدة أشهر «75.000» متر مكعب من المياه، ويمول هذا المشروع من صندوق إعمار الشرق ويشرف عليه. أما المحور الثاني، فهو شبكة مياه مدينة القضارف التي يبلغ طولها حوالي «526» كيلومتراً، تستخدم فيها المواسير 24بوصة و4 بوصات، وصممت هذه الشبكة الضخمة الدار الاستشارية بجامعة الخرطوم وتنفذها شركة (طيبة) وشركة (M.M.C) وتشرف على هذا المحور شركة (نيوتك) كمصنع ومورد، وتبلغ التكلفة للشبكة «784,517,055» جنيهاً سودانياً.
> هذا المشروع يمثل حياة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ لمواطني القضارف عاصمة الزراعة الآلية في البلاد. لقد عانت المدينة معاناة كبيرة تفاقمت في السنوات الأخيرة مع التوسع العمراني والسكني والهجرات الوافدة إليها من أطراف السودان المخلتفة ومن خارج البلاد، وقد رأينا أمس القضارف تخرج وتحتفل كأنها لم تخرج من قبل، وتفاعل الناس مع زيارة النائب الأول وبشريات وبشارات زيارته التي تمتد ليومين، لأن الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، ستسري به روح جديدة، وهو جهد لكل الحكومات الولائية السابقة حتى رأى النور على يد الحكومة الولائية الحالية بقيادة الوالي المهندس ميرغني صالح الذي سخر كل جهده واستفرغ وسعه في إنجاز هذا المشروع العملاق، ولم نر والياً في الفترة الأخيرة يحظى بهذا الرضى الشعبي الجارف مثله، وهذه مقدمة لأعمال أخرى في مجالات الطرق والخدمات ستشهدها القضارف قريباً وهي مدينة تستحق أن يرد لها بعض الجميل كما قال النائب الأول أمس في ميدان الحرية بوسط المدينة.
> أنموذج مياه القضارف دليل يكفي لانتهاج سياسة جديدة تقوم على خدمة المواطنين وحل قضاياهم الملحة وتوفير الاحتياجات الأساسية الضرورية لهم، فهم لا يريدون من الحكومة أكثر من ذلك، فلو أوفت لهم لوجدتهم أمامها، والمواطن السوداني طيلة عهد الإنقاذ لم يخذلها أو يتوانى حتى في تقديم روحه من أجلها وأرخصها في سبيلها، فمن الواجب أن تنتبه الحكومة والولاة جميعاً لهذه القضايا وتصويب جهودهم نحوها، وسيجدون أن سندهم ودرعهم وظهرهم هو المواطن البسيط..