محجوب عروة : مع مفاوضات أديس .. الشعب يريد
وقف الحرب التي تستنفذ الأرواح والموارد والاقتصاد وتحقيق التوافق والتوحد الوطني والسلام والاستقرار والأمن والحكم الرشيد بالديمقراطية الصحيحة ودولة القانون والازدهار هي الحلم السوداني الذي يتمناه كل مواطن مخلص ولكن للأسف الشديد لم يستطع قادته وساسته سواء حاكمين أو معارضين أن يحققوه رغم توافر فرص عديدة مرت تحت جسور السياسة السودانية العقيمة بسبب الأجندة الحزبية والشخصية الضيقة وبسبب التدخلات الأجنبية الكثيفة التي فتحنا لها الأبواب على مصراعيها بتصرفاتنا وارادتنا وصرنا بسببها سلة مبادرات العالم بدلاً عن سلة غذاءالعالم!؟ حدث كل هذا منذ أن اخترنا أن نحسم خلافاتنا عبر الأسلوب العسكري ثم السياسي والتمرد بالسلاح في صراعاتنا بل مكايداتنا السياسية عام ۱۹٥۸ مروراً بثورة أكتوبر المدنية وما حدث بعدها من خروقات دستورية فانقلاب عسكري فثورة فانقلاب تقلصت فيها السيادة والأراضي بعد أن غابت فينا جميعاً حكمة السياسة وبعد النظر فدخلنا في هذا النفق المظلم الذي نحاول الخروج منه بوسائل عديدة آخرها خطاب الوثبة فانخراط قوى كبيرة في حوار دام أربعة أشهر انتهى الى مخرجات ستكون موضع اهتمام واسع يأمل الجميع ان تنفذ.
وأخيراً ما يحدث هذه الأيام من لقاء بين وفد الحكومة ووفد الجبهة الثورية والسيد الصادق المهدي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا التي نأمل أن تسوده الحكمة والتعقل الذاتي فتكلل بالنجاح. ولعله من الضروري أن نسأل هؤلاء المجتمعين خارج بلادهم أليس الأفضل والأوفق أن يختاروا وطنهم ليكون المكان المناسب لإكمال هذه المباحثات يتابعهم مواطنيهم وقواعدهم اذا استطاعوا أن يتعاملوا مع خلافاتهم بمستوى عالي ومحترم من التعاطي السياسي وذلك بأن تلتزم الحكومة بعدم التعرض للمعارضة بأي قدر من التعسف والتجاوز وتلتزم المعارضة في الوقت نفسه بالإعتدال السياسي وعدم الغلو في مطالبها حيث يشكل كل ذلك مناخاً مناسباً لإدخال المعارضة الداخلية كذلك والتي أطلقت على نفسها قوى المستقبل فيشكل الجميع آلية أفضل لدعم الحوارالجاري وربما تطوير ودعم مخرجاته فاذا حدث ذلك من المؤكد سيشكل حافزاً اضافياً وقوياً للسيد رئيس الجمهورية لتنفيذ مخرجات الحوار والذي ظل يؤكد التزامه بتنفيذه ففي تقديري -وآمل أن يكون ذلك صحيحاً- أن الرئيس البشير لو أحس أو تأكد أن جميع أو الغالبية العظمى من القوى السياسية ستنخرط في العملية السياسية بصورة ايجابية فإن استجابته ستكون أكبر.. ولذلك أرى أن على المعارضة بكل أشكالها واتجاهاتها سواء في الداخل أو الخارج لها دور هام في الدفع بعملية الحوار الحقيقي والتطور السياسي والدستوري اذا استطاعت أن تتخطى العقبة ومنهجها السابق من المواجهة والإصرار على الشروط الكثيرة المسبقة والإطاحة بالنظام الى عملية انتقال سياسي سلمي سلس للأوضاع في السودان فهذا أكفل للسلام والاستقرار والتحول الديمقراطي الذي تنشده وتنادي به سيما وهي لم تفلح لأكثر من ربع قرن أن تحقق أمانيها مثلما لم يستطع النظام أن يحقق ما يتطلع ويحلم به المواطن.. ان البقاء خارج السودان والإصرار على تنفيذ كل الشروط قبل الدخول في الحوار لن يجدي كثيراً اللهم إلا تعطيل عملية الحوار والانتقال والتغيير السلمي السلس فلتجرب المعارضة منهجاً جديداً مثلما ظللنا نطالب الحكومة بأن تطور نفسها وتقبل بالتغيير السلس وفتح الباب على مصراعيه لمشاركة الآخرين في قضايا وطنهم فهذا حقهم وواجبهم.. لقد سئم الناس مما يحدث في بلدهم من تدهور في المعيشة وسوء الأوضاع واستمرار الاحتقان السياسي وحشر الأجانب أنوفهم في أخص شئوننا فيما لا يسمحون لنا بالتدخل في شئونهم كأننا قصر وقد كنا في الماضي نساعدهم فى حل مشاكلهم.
محجوب عروة – (قولوا حسناً – صحيفة الجريدة)