منى عبد الفتاح : «أمور» وتيمور أوفى من البشر
يعيش النمر «أمور» والماعز «تيمور» في حديقة بريمورسكي سفاري الروسية، ليس هذا المثير في الخبر وإنما المدهش حقا أن النمر الذي تعود أن يتعشى على الماعز، احتفظ بتيمور صديقا له يلعب معه وينام آمنا في نفس قفصه دون أن يمسه بسوء.
هذا نمر حقيقي خلقه الله معتمدا على الافتراس لأغراض التنوع في الطبيعة والمخلوقات ومنها الأليف والخامل والنشط والطفيلي وغيرها. وهناك «أسد» من ورق كاد يصدق أن له من اسمه نصيبا، ولكن فضحه جبنه من مواجهة شعبه، وبدلا من دخوله معركة شرف أخذ يحاربهم بالكيماوي والبراميل المتفجرة، ويستخدم التهجير والتجويع سلاحا، وفضلا عن ذلك يستنجد بحلفائه لقهرهم.
كل أنواع الجرائم البشعة ترتكب بواسطة البشر الذين فضلوا الافتراس على الوداعة، واستبدلوا أدوارهم الفطرية بأدوار الكائنات الأخرى التي لا يتوقع منها مثل ما جاء خبره في الحديقة الروسية، وكانت الدهشة التي خلقت من هذين الحيوانين نجمين ينظر إليهما الناس بإعجاب وحسد في آن واحد، فحتى الحيوانات المعروف عنها الوحشية تبدل طباعها إلى الأفضل، فما بال الإنسان ينحدر إلى أسفل سافلين.
وبعد كل هذا يأتي بعض الناقدين ويحتجون على تعلق الأطفال بعالم الحيوان الذي تجسده كتب الأطفال أو أفلام الكرتون بدلا عن عالم البشر. وفي رأي هؤلاء أن هذه القصص والأفلام التي يشاهدون أبطالها حيوانات تخرجهم عن الواقعية إلى عالم الخيال.
هذه القصص الجاذبة تعتمد في معاجلتها الفنية على الإيقاع والحركة السريعين وعلى تحريك تلك العناصر واستنطاقها بطريقة تخرج عن المألوف، لذا فهي تستحوذ على اهتمام الأطفال واستمتاعهم وتركيزهم. هذا بالإضافة إلى استخدام اللون والصوت، بغرض توضيح بعض الأمور للطفل، وتعريفه بما قد ينفعه أو يضره في البيئة الواقعية المحسوسة المحيطة به. كما أنها من خلال زيادة فعالية توظيف أبعادها تلعب دورا هاما في إكساب الطفل بعض القيم.
ويتعامل الأطفال مع هذه الحيوانات سواء أكانت مجرد صور جامدة في كتاب أو ناطقة. ويزداد تأثيرها عندما يكون نطقها بلغة الطفل، فيضفي عليها قدرا أكبر من الصدق، ويضمن درجة أعلى من تمثله لقيمها. كما أنها تهيئ الطفل لتقبل ما تقترحه من قيم، عندما تقدمها عبر شخصيات محببة قريبة من عالمه، بأسلوب درامي يعمد إلى استثارة مشاعره حتى يتعاطف معها. ومن هنا تنبع خطورة الرسوم المتحركة، إذا لم تكن مبنية على أسس تربوية سليمة قوية، خاصة أن الأطفال يتصفون بحكم تكوينهم بأنهم ذوو قدرات إدراكية وخبرات محدودة، تجعلهم يستجيبون للمثيرات التي يتعرضون لها.
وفي داخل هذا العالم البريء تعمل أغلب الحبكات الدرامية على غرس قيم الخير والجمال والفضيلة في نفوس الأطفال؛ فهي في كثير من قصصها تدعو إلى التعاون والعطف والحب ومناصرة الضعيف.
إن توجه الطفل إلى هذه القصص بشغف هو أمر مقبول، ولا يجب أن يتعامل معه التربويون بأنه إحلال لشخصيات مكان أخرى. كل ما في الأمر أنها الأقرب إلى تجسيد كل ما يجب أن يتصف به الإنسان الذي كرمه الله، ولكنه اختار طريقا آخر.
إذن الموازنة الآن هي تحفيز الطفل على أن ينهل من المنابع المعرفية كلها، لا حصره في عالم دون آخر، ولئن ابتعد قليلا مما يدور في عالمنا الآن من احتراب واقتتال، وهو ما جعل الأرض غابة كونية تملؤها الكائنات المفترسة، فستكون الإجابة الضمنية هي ماذا جنى الناس من الواقع حتى يجعلوه عبئا آخر على الأطفال.
هؤلاء الأبرياء يتعلمون من الكلب الوفاء ومن الماعز الوداعة ومن هذا النمر الحميمية بدلا عن الافتراس. ألم يكن ما فعله «أمور» محض خيال، لا يشاهده الأطفال إلا في أفلام الكرتون!
(منى عبد الفتاح – صحيفة مكة)