عماد العالم : مشاهير لكن حمقى!
“Stop making stupid people famous”
أو بالعربي توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير!
العبارة أعلاه لم أعرفها إلا بلغتها، ولذلك وضعت الاقتباس في البداية، ومن ثم ترجمته، حتى لا يظن القارئ أنني “أتفلسف عليه”، هذا أولاً، أما الأهم فهو رغبتي بأن تعرفوا أننا لسنا فقط المبتلين بداء خلفته وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي، وإنما العالم أجمع، فتكنولوجيا التواصل التي كسرت الحدود على المعرفة والثقافة أي “المعلومة”، هي نفسها التي أظهرت ما في الشعوب من رغبات مكبوتة وغرائز غريبة، وخيارات شاذة وتصرفات مستهجنة، إلا أنها ومن الواضح تحظى بقبول العديد، فيا ترى ما السبب في ذلك، وما الحل؟
قد يقول قائل مجيباً هو الكبت، بينما يبرر آخر ذلك بانعدام التربية القويمة، وفقد الأسرة والمنزل والمدرسة لدورهم الجوهري في التربية السليمة والتنشئة، أما أحد أكثر الآراء تطرفاً بالطبع فسيلقي باللائمة على الحداثة والانفتاح، والفساد الناتج عنها وحمى التغريب الرائجة، التي خلعت شبابنا وبناتنا من مظلتهم العربية المسلمة للفكر الليبرالي المنحرف والمنحل!
ربما في جميع ما ذُكر سابقاً وجهٌ أو أكثر للصحة، ولكن هل تكفي هذه المبررات التي تشبه ما دأبنا على وصفه “بالأسطوانة العتيقة” للوصول لحل لهذه المعضلة، وإحداث التغيير المطلوب!
تختلف درجة الحُمق وعدد الحمقى من دولةٍ لأخرى، ولا يُعد التعداد السكاني عاملاً في ذلك أبداً، فمجتمعاتنا العربية مجتمعةً قد تماثل الولايات المتحدة من حيث عدد السكان، وتتشارك معها أيضاً نفس الهمّ المشترك في الانحراف الفكري الشعبي، وجريه وراء السفاسف والسفهاء، على خلاف مجتمعات أخرى أوروبية وحتى آسيوية نجدها أكثر سمواً في الفكر، وأقل انغماساً في الفضول والهبل، الذي يجعل من الأمور التافهة شأناً للعامة يقضون الساعات في الحديث عنه ومشاهدته.
كم مرة صادفت وأنا أشاهد أحد برامج “التوك الشو” أو الدردشة “وبالطبع الحوار منها براء”، ووجدت جمهور الحاضرين يصفق بحرارة لرد أقل ما يُقال عنه إنه ينم عن غباء “واعذروا استخدامي للفظ بداعي الضرورة”، صدر من الضيفة المشاركة في الحوار، التي استقبلت احتفاء الحاضرين بردها بنظرة رضىً عن عبقريتها وفلسفتها، التي وللأمانة لا تعدو أن تكون حماقة لا معنى لها، بل تدل على ضحالة فكرها وعشوائيته وسطحيته، في اليوم التالي، تصفح المواقع على الإنترنت وحتى بعض الصحف الصفراء لتجد حديث تلك المشهورة قد ورد كسبق صحافي!
برنامج “الكيك” مثلاً الذي شعرت أكثر من مرة أنه لعنة (أستبيحكم العذر للمرة الثانية)، وليس نعمة، أظهر وبكل صدق أسوأ ما فينا، بل لنقل فضحنا، بعد أن اشتهر بسببه بعض الحمقى الذين أصبح يُطلق عليهم نجوم، للأسف لهم عشرات بل مئات الآلاف من المتابعين الذين يتتبعون كل جديد يصدر عنهم، من مقاطع فيديو موغلة في الاستخفاف بالعقول والاستظراف المصطنع، الذي وعلى ما يبدو وفي تطورٍ خطير أصبح هو القادر على زرع الابتسامة على محيا العديد، وأصبحت القنوات الفضائية تستضيفهم، والمهرجانات الجماهيرية تخصص لهم كضيوف من الدرجة الأولى، فيما شركات الدعاية والإعلان تدفع مبالغ للاستفادة من شعبيتهم في الترويج لمنتجاتها.
مثال آخر، ويعدُ مصيبة أخرى ابتلينا فيها وهي برنامج السناب، الذي كسر القاعدة المقدسة القائلة بأن البيوت أسرار، فقد فضح ما فيها، وبتنا نعرف عنها مثل أصحابها، هذا من جهة، أما من الأخرى فقد أظهر حجم الخطر الناتج عن تفشي عقد نفسية بين مختلف الأعمار منا، وحب الذات والظهور و”الفشخرة” والمظاهر الكذابة والعنصرية والقبلية والمناطقية، والفساد الفكري والأخلاقي، والحرمان العاطفي الذي يعاني العديد منه، ويمكن استشفافه مباشرة من المقاطع التي يظهرون بها وينشرونها.
صحيح أننا لسنا ملائكة ولن نكون، ولكن لا داعي لأن نكون إخوان الشياطين، عبر جعل الحمقى مشاهير ينشرون الانحطاط الفكري والسلوكي، ويساهمون في تدمير الأخلاق وتكريس السطحية والعشوائية، ويعطون صوراً سلبية لأوطانهم وشعوبهم، وبدعمٍ كامل ممن جعلوا منهم مشاهير، فالأولى في التعامل مع هذه الفئات منا هو تجاهلها وإقصاؤها وعدم إعطائها الفرصة لكي تتمادى في غيها، ونحن بما نفعل لسنا والله أعداء النجاح والشهرة وحاقدين، وإنما راغبون بأن نسمو حتى يصلح الحال ويعم الوئام والسلام والنظام.