مقالات متنوعة

هناء إبراهيم : عسل إنت دا

حين كنا ضمن (المجارمة) الذين يعيشون في توقيت التعليم قبل المدرسي، أخبرونا وفقاً لأسلوبهم التربوي (لو زول قال ليك كلمة ما حلوة أو شاكلك، خليك شاطر وأعقل منو وقول ليهو الله يسامحك) وكأطفال مؤدبين وأولاد ناس صرنا نمشي على هذا الأساس ونفسر ذلك بأنه نوع من الأدب الجم، بينما يفسره غيرنا (جُبن أو ربما عوارة).
لذا قررت بالاتفاق مع نفسي إتباع طريقة غير، سميتها سراً (طريقة فقع المرارة) وأطلقت عليها جهراً هكذا يموت الخصم.
أي بني آدم يوجه نحوي كلمة، بلغة “ميرفت أمين” (مش عاجباني) أتخذ نحوه الإجراء التالي: أسكت تماماً، أحيل لساني للتقاعد وأسناني للمعاش المبكر، ونظري لفرع الرؤية الآخر، أتظاهر بعدم الإدراك إلى أن يشك المعتدى نفسه أنه غير موجود أو لعل صوته لم يخرج أصلاً ولم تحسب له مكالمة.
وبسبب تلك الطريقة توقف الكثير من أندادي عن الشجار أو حتى الاختلاف معي في أي أمر من أمور طفولتنا تلك، الأمر الذي أزعجني كثيراً.
هذا الهدوء والسلم الدائم مُمل… لا يتناسب وشغب طفولتنا ذاك.
المهم، تركت تلك الطريقة الغير والتحقت بطريقة غير أخرى.
هذه الجديدة سميتها على اسم جدتي، أي (رد البضاعة إلى أهلها) بغض النظر عن نوع البضاعة وحجمها وتاريخ صلاحيتها.. ولي مع هذه الطريقة قصة معروفة لكل زملائي بالجامعة، قصة مشهودة فضيحة السواد والرماد.
بعدها مباشرة، تخليت عن الطرق كافة وبعض المشاغبات.
ولأنكم الآن تتساءلون عنها، هاكم تفاصيل ما حدث..
الأيام الأولى في الجامعة كنت قد عزمت تماماً على فراق هذه الطريقة على مبدأ (بقينا في الجامعة وكبرنا وما استفدنا وهيك)، لكن لساني المعاشر ظل في أحيان كثيرة يرفض وينقض الاتفاق.
زول يقول لي: مشتاقين، هكذا أرد: مشتاقين إنت دا.
يا “هناء” المحاضرة، محاضرة إنت دا.
إلى أن حدث ذات يوم عندما كنت برفقة الأصدقاء وأردنا عبور الشارع من ناحية الجامعة إلى الناحية الأخرى، لكن تمشي (برادو) تجي (كوريلا)، تروح الـ(كوريلا) تجي (لانسر)، تعدي الـ(لانسر) تجي (كامري)، وفجأة (أتوس)، ثم أمجاد وتاكسي وعيونك.
المهم في ظل وجود هؤلاء الأعزاء والعزيزات (ناس المرسيدس والوسيم الفي البرادو) لم نستطع عبور الشارع، ارتفع معدل زهجي فحلفت (تسعة وخمسين يمين) أقطع الشارع هسه، إن شاء الله عنهن ما كملن، وفعلاً.
أنا في نص الزلط وبيني وبين الـ(كامري) لا شيء.. أصدقائي والجميع وضعوا أيديهم على دهشتهم وحواسهم موضع لا تعبير، لا شيء يقال.
ثم شاء الله أن يتفق السائق مع الفرامل ويكتفي بشتمي أمام خلق الله.
* أخرج السائق رأسه وهو منفعل حد الانفعال.. يبدو عليه غضب الدنيا والعالمين.. يا الله سوف يشتمني وسوف أرد.
أدرك الجميع أنه لابد أن يشتمني، حتى أنا ظننت أنه قد فعل ذلك فعلاً، ورددت له شتيمته كما هي، وليته شتمني وليتني لم أرد.
أدركت والناس يبتسمون أنه عندما كان منفعلاً لم يشتمني، بل قال لي: (عسل)، وأنا بكل انفعال رددت البضاعة إلى أهلها وقلت لسيادته: (عسل إنت دا).
يا نهار أسمر ومنيل..
ها أنا الآن أقل من سمسمة.
ماذا يضره لو كان شتمني.
وماذا يضرني لو لم أرد.
هذه الـ(عسل إنت دا) الجامعة كلها (شغلتا لي)
لم يدركوا أني ظننتها شتيمة في ذلك الحين.
وإن كان عن نفسي أنا شخصياً: ما عافية ليك يا شين.
إن شاء الله العسل اليعشرق ليك..
أقول قولي هذا من باب الغبينة طبعاً.
ودايرة أسألك سؤال واقف لي هنا دا: دي شتيمة ليك
و……..
الله يسامحك
لدواعٍ في بالي

تعليق واحد