د. حسن التجاني : الأسرة ما عادت كما كانت!!
٭ دائماً تجدوني في حالة إصرار وعزيمة في القول والنتيجة، على أن الأسرة تفككت وتشتت ولم تعد تلك الأسرة التي نعرفها في تماسكها وتعاضدها ورباطها الموثوق القوي المعروف الذي كان يقاوم كل تيارات التفكك والضعف والهزال، وانشغلت عضويتها بأشياء انصرافية لم تكن في سابق العهد من أولوياتها، كالبحث عن طيب الحياة التي لم تكن تشغل الناس عن ضرورة اللقاء والسؤال وتفقد الأحوال، بل صار أفراد الأسرة بلا وعي لما يفعلون ويخططون لنتائج أفعالهم هذه.
٭ التفكك لم يضرب الأسرة الممتدة بمفاهيم علم الاجتماع في كيانها المعروف بالأسرة الممتدة التي كيانها الأب والأم وما يلحق بأبنائهم من أبناء وأحفاد، بل ضرب التفكك حتى النووية منها في إطار مفهوم الأم والأب والأبناء، فصار أعضاء الأسرة هذه كل في وادٍ لوحده لا يعرف عن الآخر شيئاً.
٭ الأسرة قبل هذا السرطان الانشغالي الذي ضربها في عمودها الفقري، كانت تشمل حتى الجيران، فإن الجيرة عند كبارهم في الأحياء هم أولياء أمور، لكن أن تصوبهم وتعدل في سلوكهم متى رأيت إعوجاجاً فيه دون أن تراجع حتى لتوصي أو تستأذن في ذلك، فالتصويب حق متاح للجميع، ولكن اليوم قد لا تستطيع أن توجه حتى عبر أجهزة الإعلام، وهذا ما يضحك حتى درجة البكاء الموجع، ويصل بك الحال سوءاً أنك ربما تجد مشقة في أن ترفع صوتك في وجه أبنائك خوفاً من أن تكسرهم في مواجهة المجتمع الصعب، فسرعان ما ترضخ لأمرهم سوءاً كان أو غيره أقل درجة، فتسكت عليه وفي القلب حسرة.
٭ الحال ما عاد يسر كثيراً، فالسكوت على الخطأ أصبح أمراً لا تستطيع حتى مجرد التعليق عليه.. فقد انكسر الآباء وقلت حيلتهم وماتت نخوتهم ورجولتهم التربوية، فالقرار لم يعد عند الآباء كما كان، وحتى المرأة لم تعد قادرة على القيام بدورها كما ينبغي بعد أن ادعت الرجولة تملكاً في خانة الرجل، ففشلت وفشل الأبناء في كثيرهم إلا من رحم ربي من الأسر التي مازالت سيطرة الرجل فيها واردة في جزئية من المسؤولية.
٭ الآن الأب لا يستطيع في كثير من الحالات أن يسأل ابنه أين كان؟ولا ابنته أين تكون؟ وتركا لهم الحبل على الغارب، وسلكوا طريق الرذيلة فكانت الطامة الكبرى أن ضاعوا بين أيدي الذين كان يؤتمن عليهم في حفظ الأمانة.. ما يحدث بالليل تمحوه أشعة شمس الصباح، والذين يبلغون تفضح أمرهم ذات الأشعة الشمسية حين تخرج على الناس جميعاً.
٭ المشكلات تسيطر على غالبية الأسر في هذا النوع من المشكلات، والحساسون من الآباء يموتون حسرةً ببكائهم على التفريط في حسن التربية، والحال ما عاد ذاك الحال، بل كله ألم ومغص وخسران وندامة وتمني الموت قبل الأوان لو كانوا يستطيعون.
٭ ولم تعد الفضيحة عيباً ولم يعد العيب فضيحة، بل صارا ضرباً من ضروب العيش الرغد والحياة السهلة والفرح المخلوط بكل أنواع الخيبة والضياع، ولكن لا فرار من الواقع.
٭ متى تعود الأسرة إلى صوابها وكل شيء فيها مات ولم تعد كما كانت، ولن تعود ما دام الحال هو الحال، لا أب يدرك ولا أم تعي، والجار لا يجرؤ حتى على التعليق.
«إن قُدِّر لنا نعود».