نحن شعب وانتو شعب!
وهكذا يبلغ الظلم درجة أن تُعتبر أموال الدولة أموالاً للحزب الحاكم يتصرف فيها كيف يشاء، وأن يصبح الوطن هو الحزب وأن يقسم الناس بين موالٍ يُغدق عليه المال العام بغير حساب، وغير موالٍ ينبغي أن يحرم ويجوَّع (بفتح الواو وتشديدها).
ذلك آخر ما تفتقت عنه عبقرية ولاة أمرنا لإخضاع من يتجرأ ويفتح فمه ويقول (بغم) وينتقد الحكومة في زمن الحوار الوطني، ولا عزاء لمن جلسوا الشهور الطوال في قاعة الصداقة يمنّون الناس بمن الحوار وسلواه التي ستتنزل على الشعب خيراً عميماً ورزقاً وفيراً وحكماً راشداً وسلاماً مستداماً وحرية ترفرف في سماء السودان.
أقول هذا بين يدي خيبة أمل تغمرني وتملأ جوانحي حول قرار السلطات تصنيف الصحف بين مساندة تُمنح إعلانات الحكومة بغض النظر عن حجم توزيعها وعدد نسخها المطبوعة يومياً وصحف معارِضة تقرر أن يحجب عنها الإعلان الحكومي مهما بلغت مقروئيتها .
(الصيحة) كانت الصحيفة الأولى التي استُهدفت بحجب الإعلان عنها، بعد أن صُنّفت كصحيفة معادية مع صحيفة الراكوبة (الإلكترونية)، وبعض القنوات الفضائية التي تصدر خارج السودان، وكأن الحروب الشعواء التي تعرضت لها (الصيحة) في أوقات سابقة وما حدث لصحيفة (الإنتباهة) التي اختُطفت في وضح النهار بتواطؤ غريب ولا أزيد لأن الشرح يُفسد المعنى ويتسبب فيما لا يحمد عقباه.. كأن ذلك كله لم يكن كافياً ليشفي غليل من أبغضونا لوجه الله.
صدّقوني إني ما صدقت أن ذلك يمكن أن يحدث لسببين اثنين أولهما سذاجة وحسن ظن بالقائمين على الأمر لم تزله حتى صدور هذا القرار الظالم كل الممارسات السابقة وثانيهما أننا لا نستحق أن نُصنّف كأعداء فلكم أنصفنا من استحقوا الإنصاف من المسؤولين، ولكم خضنا معارك مع هذه الحكومة ضد من تربّصوا بالبلاد ليس حباً أو ولاء لها أو لحزبها وإنما اقتناعاً بمبادئ قدمنا في سبيلها أكثر مما قدم من (يتوهطون) اليوم في كراسي السلطة ويتولون مقاليد الأمور، وأتحدى أن يثبت من ينتاشوننا بتصريحاتهم الساقطة ممن يتلونون كما الحرباء أنهم أكثر حرصاً منا على الوطن وسلامة أراضيه، أو أنهم ساندوا القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وأمطروا أعداءها بوابل من الزفرات الحارقة أكثر منا أو مثلنا.
لم أصدّق أن ذلك قد يحدث إلى أن تحقّقت بنفسي من خلال اتصالات هاتفية أجريتها بمن كلفوا بذلك الدور، ثم ها هو وزير الإعلام أحمد بلال يصرح ليثبت ما تأكد لي وما نُشر في الوسائط الإعلامية ويقول: (مخيرين في توزيع الإعلانات على الصحف).
والله إني لمستغرب بحق في من لا يزالون يتعلّقون بالأوهام أن هناك حواراً سيتيح الحريات ويحقق العدالة وينقل البلاد إلى مربع جديد.
الآن وقد تقرّر أن تصبح أموال الدولة ملكاً للسلطات المختصة توزعها حسب قرب الناس وبعدهم من الحكومة، أرى أن يُصار بذات المنطق إلى توزيع الخدمات على المواطنين بذات الفهم، وبما أن البلاد تضربها ضائقة اقتصادية طاحنة مع ضعف في موارد الدولة أود أن أطرح على الحكومة مقترحاً بأن يوزع الخبز والغاز وخدمات الكهرباء والمياه والتعليم والخدمات الصحية على الناس وفقاً لانتماءاتهم إذ ليس من (العدل) أن يُساوى بين المنتمين للمؤتمر الوطني والأحزاب المساندة له وأحزاب المعارضة، فهذه ثلاث فئات ينبغي أن يفرق بينها بحيث يمنح ناس الفئة الأولى القدح المعلى من الخدمات ثم يأتي التابعون من رعايا الأحزاب الأخرى، أما الفئة الثالثة من(الكلاب الضالة) كما وصفهم القذافي فهذه لا تستحق غير التجويع والتركيع بل والقتل في الطرقات.
لماذا ينسى هؤلاء الناس الذين يرفعون أصواتهم بالليل والنهار بالحديث عن الشريعة الإسلامية وعدالة السماء أن هناك رباً يرقب ويحاسب وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟ لماذا لا (يتكرموا) بالجلوس معنا لنفهم منهم تحفظاتهم على أدائنا فإما اقتنعنا وإما رفضنا ما لا نرضاه من شروط وإملاءات؟.