عبد المنعم مختار : إقتسام الفن والثروة
الفنان السوداني يحترق مثل الفراشات على نار الهوى .. وعندما يموت تسكن أغانيه في حافة الوجع .. بينما يحول ذووه معانيه الخالدة إلى حسابات أخرى تتعلق باقتسام الشهرة والثروة ولا عزاء للذين يتمسكون باصداء قيمة الذكريات الصادقة ونبيلة.
الحالات الماثلة لا تحصى على أصابع اليد الواحدة وميراث الفنان يتضمن حتى احساسه الذي كان يطلقه على الهواء مباشرة.
لم نستطع حتى كتابة هذه السطور أن نحتفظ للفنان بقيمة وفائه .. ولم نستطع أن نقيم عطاءه قبل أن يرقد الجسد المسجى على آلة حدباء محمول.
وحتى قانون حق المؤلف .. والحقوق المجاورة والمصنفات بتسمياتها المثيرة تسمح للورثة أن يقبضوا ثمن أغنياته وأنفاسه بعد أن يتحول بقانون الفناء إلى تراب.
لم نتجاوز بعد فكرة التباين التي أدمنا ممارستها وهي مشكلة أزلية تتعلق بالإنسان الذي لا يحس بوجود الآخر إلا بعد أن يفقده وصارت مقولة (إن شاء الله يوم شكرك ما يجي) حتى بتنا نخاف هذا اليوم ونربط يوم الشكر بشهادة الوفاة لإدراكنا أننا عاجزون عن إبداء الاطراء والشكر لشخص يمشي بيننا بالحب والصلات الطيبة.
تذكرت كل ذلك والذكريات السنوية للفنانين الراحلين ندلق حولها المداد الأسود .. وكلمات النحيب وهذا اقصى ما نقدمه .. واحيانا تتدخل الأسر لتفرض أجندتها دون أي معايير سوى أنها تمت بصلة قرابة لهذا الفنان المرحوم.
ومن كل هؤلاء من يحظى بنصيب الأسد من تركة الفنان التي تحتوي على ذكراه العطرة وهناك من يحمل شهادة بحث في النحيب على الفنان الشفيف الرقيق حتى قبيل رحيله.
الأمر بهذه الطريقة يجعلنا نطبق عملية الميراث الحسابية لأغنياته الجميلة على النصف والثلث بينما نترك للعصبة فضيلة البكاء سراً حتى لا تفتت أكبادهم.
مازلت على قناعة تامة بأن ملكية الفنان حق مشاع خصوصاً لفنه من الجماهير ولا نجعل مسألة (دس المحافير) نموذجاً لمساعدة الآخرين وإلا ستموت هذه المعاني مع بقايا الجسد المقبور
فنان يقول (أنا اصلي ما بشتاق براي…
بشتاق معاي الليل وسري الدافنو
فيه قبل الانعزال
أنا اصلي ماردتك براي
رادوك معاي ناس الأرض
وزرع الأرض قبل الظلال
مبدع استطاع أن يستجمع كل الطبيعة في أن تتفاعل معه فلماذا نمنع الليل والشمس والأرض والزرع أن يتجاسروا رغم الحزن أن تشارك الشاعر هواجسه.
لا أدري لماذا توقفت عند الفنان هاشم ميرغني أو عند عزمي أحمد خليل ربما لأن هم يصلحون كنموزج لفن لايقبل المزايدة واغنياتهم لاتحتمل القسمةة الا علي الجميع اضافةة ان من تاثر بمداعبة أوتار الجراح نسى كمية الاشواق التي دفنوها في الوجدان السوداني .. وأن من جعلوا للفجيعة عنواناً جديداً على الرغم أن قلوبهم الجريحة لم تنظر لأعمالهم بذات الفرح الذي صنعت من أجله.