منى عبد الفتاح : عذرا.. يوم المرأة
تستحث الأمم المتحدة الذاكرة بأن هناك يوما للمرأة في كل عام، هو الثامن من مارس تتجدد فيه ضرورة أن تنال حقوقها. ينتهي هذا اليوم التذكيري الجميل وتنتظر إلى العام التالي، وهي تحمل ذات التمنيات لتنثرها عبيرا في خيال المرأة، أو كما قال الشاعر فاروق جويدة: «لكن أزهار الشتاء بخيلة بخلت على قلبي كما بخلت عليك
عذرا حبيبي إن أتيت بدون أزهاري لألقي بعض أحزاني لديك».
في بقية العام تجاهد المرأة لوحدها ودون منظمات أممية من أجل قناعة تتوزع بين أن تكون ناجحة، جريئة، ذكية مكسوة حياء وجمالا هادئا في العقل والروح والجسد. تطلق العنان لأفكارها لتحقق مكانتها وتحتفي بوجودها ليس باختفاء الرجل من على ظهر الأرض، وليس بالتعبير المتشنج الضاج استرجالا، بأنها دائما في حالة تحدٍ مع الرجل ومواجهة لا تنتهي وكأنها ولدت لتعاني عقدة الدونية الأبدية.
ودون الأمم المتحدة يتفق المجتمع على أهمية قضية المرأة، وأن وضعها ومكانتها في أي مجتمع هو مقياس لتحضره. ودون الرجوع إلى ذات المنظمة يتفق الرجال على أن المرأة صانعة للسلم والحرب معا، قد يرونها شوكة في مكان الوردة، أو يلحقون تاء التأنيث بالفتنة. وغيرهم من يذكرها في سادية مكررة وسط عذابات سقراط على يد زوجته. وهناك من يعترف بأن بلقيس كادت أن تهز عرش سليمان، وأن أحلى الكلام وأعذبه كانت ملهمته المرأة.
يمكن لكل ذلك أن يتم دون أن تذكرنا الأمم المتحدة، لأنه ليس في مقدورها الوصول إلى كون هذا الصراع في كثير من أوجهه لا يمكن رؤيته بمنظارها المقرب. ولأن الوصول لما يجري حقيقة في أي مجتمع لا يتم إلا بالمعايشة، فليس حدثا عابرا تتناقله الوكالات، ولكنها حياة بكامل تفاصيلها السعيدة والمؤلمة.
وهذا ما يقوم به حاليا فريق عمل ألماني لإنتاج فيلم وثائقي عن المرأة السعودية، انبهروا بأن لم يجدوا ما جاؤوا للتحقق منه، ولم تكن تلك خيبة أمل بقدر ما كانت تغييرا لاتجاه الفيلم من تغطية حياة سلبية يروج لها في الغرب، والتحول إلى تصوير حياة واقعية قطعت فيها المرأة شوطا طويلا وما زالت، والكل يتفهم أن المسألة تمشي بخطى وئيدة، ولكن منتظمة.
بغير المعايشة سيكون من الصعب تقريب التصور الكامل عن المرأة وعن حقيقة همومها، انشغالها، تأثرها وتأثيرها على من حولها وهو ما ساعد في بناء نموذج كل أدواته معطاة مسبقا، ولكن العوائق كانت في كيفية النفاذ إليها من خلال عقول مستنيرة، أو إدراك ولو بعد حين لهذه الأدوار، فقد كانت المسألة برمتها عبارة عن خيال عصي على التحقيق، ولكن عندما نهضت المرأة بما رآه البعض مستحيلا، وشمرت عن ساعد الجد تمت صناعة حياة مليئة بالإثارة بطلتها المرأة نفسها، وما ساعد على وجود صيغة تهدف إلى إضفاء الفضول وازدياد الحيرة، إزاء تحقيق المرأة لشيء ما، هو تشكيلها بنموذج قياسي يختص بالعالم غير المنظور وغلف بحيث لا ترى إنجازاته إلا انسرابا.
وبذا فإنه لن يفيد تذكر هذا اليوم في كل مكان، ففي أجزاء أخرى من العالم، يسير نوعٌ من القهر الممنهج للمرأة تمارسه داعش وبوكو حرام، يستند هذا القهر على نسق موروث من عقلية متحجرة وتنسبه زورا وبهتانا إلى ديننا الحنيف، يحرك هذه الذهنية هاجس التخلص من عقدة الخوف من الأنثى، رغم أن نفس الذهنية تصنفها ككائن ضعيف.
لا غضاضة بالطبع، في الذكرى بمستواها العام إن ارتبطت بأحداث تاريخية أو اهتمام بالطبيعة مثلا، أما بالنسبة للأيام المنسوبة للبشر فقد تكون مجحفة نتيجة لاختزال الإنسان ودوره في يوم واحد خلال عام كامل يكون قد قدم فيه من الإنجازات والتضحيات ما لا يعد، ولا يرتبط بهذا التاريخ المحدد.