منى عبد الفتاح : صدى سبايا داعش
تلاشت التعريفات التي جاءت محدّدة لماهية العنف ضد المرأة نظراً لأنّ العنف المستشري الآن بسبب الحروب والنزاعات، غرق في وحله الضحايا من الجنسين. فعاد هلامياً ذاك التعريف الذي أوردته الأمم المتحدة في الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة عام 1993م، وهو: ” أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى، أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية، أو الجنسية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
ما يحدث في هذه الحقبة الزمنية التي صارت فيها للوحشية دولة وللقهر سلطان، يمثّل أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرأة من جرائم في تاريخ البشرية باختطافها وسبيها واسترقاقها وتعذيبها بآخر ما توصل إليه تنظيم داعش من أدوات تسبّب آلاماً مبرحة قبل أن تؤدي إلى الهلاك. إنّ ابتكار التنظيم أداة تعذيب جديدة يتم غرسها في جسد الضحية وتسمى “العضاضة”، تخصّص لتعذيب النساء، لهو شكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني. كانت ممارسات العنف ضد المرأة تتخذ شكل العصر الذي توجد فيه، ولكن ما أتتنا به داعش في العراق وسوريا وجماعة بوكو حرام في نيجيريا فاق كل الممارسات قديمها وحديثها.
أقام تنظيم داعش سوقاً للنخاسة والاسترقاق الجنسي ضحاياه النساء السوريات والعراقيات من المكون الأيزيدي اتخذن كسبايا عند ملاكهن من أعضاء التنظيم، يقومون ببيعهن بضمائر خلت من أي وازع ديني أو أخلاقي. من هؤلاء استطاعت نادية مراد الشابة الأيزيدية الهروب بعد 3 أشهر من المعاناة اليومية في معقل داعش في مدينة الموصل، لاجئة إلى ألمانيا حيث تخضع لعلاج الآثار النفسية والجسدية التي أصيبت بها من جراء انتهاكات تنظيم داعش. ومن هناك استطاعت الوصول إلى مجلس الأمن حيث روت قصتها وقصص النساء والأطفال الذين يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات المنافية لكل قيمة إنسانية، وكذلك قصص الرجال الذين يقتلهم التنظيم الإرهابي بعد أن يرفضوا التجنيد ضمن صفوف داعش.
في مكان آخر تنشط جماعة بوكو حرام النيجيرية والتي بايع قائدها زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، وعلى نفس النهج الضلالي ينفذ عمليات التنظيم الإرهابية. أما هدف العنف ضد المرأة فقد بدا واضحاً وكأنّه أحد ركائز التنظيم. فبعد خطفها حوالي ما يقارب 300 فتاة، قامت جماعة بوكو حرام بخطف 185 أغلبهن من النساء والأطفال، في ظل تطور ممارسات داعش وتشعبها.
تسير داعش وبوكو حرام ومن لفّ لفهما على نسق تمت معالجته على مدى عقود طويلة، حيث كانت سيادة الرجل على المرأة هي الأساس، فصارت علاقته بها علاقة استبدادية، كما يكرس الواقع ذلك على مستوى العادات، والتقاليد، والأعراف، وعلى مستوى القوانين المعمول بها. ويمكن أن يظهر استبداد الرجل بالمرأة كامتداد لاستبداد الطبقة الحاكمة، كما يحدث الآن من ردة حقوقية وبشكل واضح في السودان ومصر.
ففي السودان واجه سلوك رجال الشرطة تجاه الفتيات استنكاراً من على منابر صلاة الجمعة، لتعرض هؤلاء الفتيات واقتيادهنّ بعنف إلى مراكز الشرطة لتطبيق القانون سيئ الذكر “قانون النظام العام”. هذا القانون شرعته حكومة الإنقاذ خصيصاً لقهر النساء وامتهان كرامتهن مما جعل شرف المرأة نفسه عرضة للانتهاك على يد جلاديها. ويتم تطبيق هذا القانون على أساس سياسي وبطريقة انتقائية لا تخلو من الابتزاز الصريح والمخبوء.
وفي مصر يتم نفس الشيء بمنهجة العنف ضد النساء لأسباب سياسية. ومشهودة هي الخروقات في إنسانية المرأة مما يقع عليها من اعتقالات وتعذيب داخل السجون وغيرها من الممارسات.
هؤلاء النساء هنّ ضحايا سلسلة العنف الأرعن لذكورية فجّة، تمارس رغبة أصحابها في السيطرة والامتلاك والاضطهاد. وبينما تكورت الحلقات الأُخرى على أنفسهن باكيات، ولم يستطعن الهرب من هذا العنف، تمكنت الفتاة الأيزيدية من الفرار كحلقة نافرة ضمن سلسلة عنف يتنامى عبر العصور.