هاشم كرار : في البن.. دام كيفكم!
للقهوة غواية.. ومن لا تغويه القهوة، فليتحسس منابت الكيف فيه، ومنابت المزاج الرفيع.
صاحبي- الكاتب البهلواني الرطيان- تغويه رائحة القهوة، ولون الشاي، وأنا تغويني رائحتها، ومذاقها.. وتشعلل روحي كلها (دقّة البن) على الهاون.
هل قلتُ إن القهوة الحبشية تشعلل روحي؟
ياااا من طقسها، تلك الحبشية: تجلس البنية، والنار هادئة، وحبيبات البن تطقطق: طق.. طق.. طق.. وتتشابى منها حبيبات إلى أعلى، ولدخان البن شهقات، ورقصة باليه.
روحي تطقطقُ، كما البن إذ يطقطق، وحبيبات العرق، قطرات من الندى في أرنبة تلك التي (تقلي) وتقلي!
السودانيون، أخذوا من الأحباش، طقوس(قعدة) البن.. و(قعدة) البن، حكاية: لمّة ونسة، وضحكات، وتفريج هم.
هم يحتسونها بكرية.. و(تني) و(بركة) فنجانا من بعد فنجان، والبخور يشكل مع رائحة البن، رقصة مختلطة، هائمة ونشوانة، إلى الأعالي.. ويشكل مزيجا رائعا من الطيب، ينساب في هدوء غريب، يدغدغ كل منابت الإحساس فيك، حد الدوخة.. حد الانتباه!
لا قيام من تلك القعدة، إلا بفنجان البركة.. والبركة- في لسان عشاق البن، تعدل الخطوة.. وتعدل الطريق!
ما أكثر الطرق المائلة- ياصحاب- في هذه الدنيا.
لو كان بمرادي، لعزمت كل مرتاديها، والبن يطقطق، ثم هو في الهاون، يدق بتلك النقرشة العجيبة، ثم هو(في الشرقرق) سائلا في لمعة لون أجساد البرازيليات، والرقصة سامباـ وخيوط البخور باليه.. اشروبها يا ناس حتى البركة، فإن فيها استعدال للطريق!
للبن «سحر يبطل تعويذات الوحدة، والإرهاق، والغياب».. والقهوة- كما يقول أدونيس- «صوت المذاق.. صوت الرائحة.. القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات»!
القهوة لا تشرب على عجل..
هكذا يقول أدونيس، أيضا:
«القهوة أخت الوقت، تحتسى على مهل»!
قهوتي أمامي، لكن على طريقة الـ (تيركش). لها رغوة، ورائحتها نداءات في كل اتجاه، واتجاه، وكأس(المية) يدعوني، والسيجارة تتحفز لتقفز من (الباكيت)، والقداحة من مستصغر الشرر، اشتعال!
ذلك جزء من الكيف: التملي، والتوقع.. والقهوة أخت الوقت.. ولها مثل الوقت، حكمها.. ولها سطوتها.
ذلك جزء من الكيف.. والكيف لا يبلغ منتهاه، إلا بطقطقة البن: طق.. طق.. طق.. وتشابيه، وللبخور سطوة كما العاشقين. (التيركش كوفي) كيف ناقص..
و.. يأيها الذين يتوقون إلى البن في كمالاته، عليكم بالبن على طريقة الأحباش، فإن لم تجدوا فعليكم بالطريقة السودانية.
دام كيفكم، واعدلوا من خطوتكم.. واعدلوا الطريق!