محمد رفعت الدومي : كلما التقطتَ سيلفي، تذكر صوفي كان!
كلما استطاع إنسان باستخدام كاميرا الهاتف تكبيل لحظة قبل أن تهرب، يجب ألا ينسي أن الفضل في هذا يعود إلي “صوفي كان”، ذلك لأنه علي شرف مولدها تم دمج الكاميرا لأول مرة بالهاتف المحمول، وحين حدث هذا في عام 1997، لم يعد العالم إلي ما كان عليه قبل مولدها أبدًا!
لا شك أن هذا التطور التقني كان حتميِّاً، كل ما هنالك أن الحظ حالف الفرنسيّ “فيليب كان” في الحصول أولاً علي لحظة استنارة، وبالتالي، منح العالم إمكانية تبادل الصور عبر الشبكات، ثقبًا للتلصص علي الحقيقة، وإمكانية الدخول إلي كل الرحاب الغريبة، حيث تتيح الأسرار نفسها لمن أراد حصدها، بشكل يجعل من الصعب كتابة تاريخ الشعوب من وجهة نظر السلطة كما في الماضي، وهذا معيار عظمة اكتشاف “فيليب”، وتلك حدوده أيضًا، ولو حظي العالم بكاميرا الهاتف قبل ذلك بأي مدة، لألقي ثلثي تاريخ هذه المدة في النفايات، وعلي هذه الخلفية يمكنني القول:
– لولا هدية “فيليب” لنجح مؤرخو السلطة الذين لا ضمير لهم في تزوير ثورة يناير وتحويلها إلي مؤامرة كونية كما كانوا يخططون، ذلك لأن سجلاً ضخمًا من لحظات الثورة التي دونتها ذاكرة الهواتف صورًا وفضحتها وهي في ذروة حرارتها جعل من تحريف الحكاية أمرًا مستحيلاً!
يجب أن نتعرض أولاً للرجل الذي أراد التقاط صورة لمولودته فالتقط بدلاً من ذلك عالمًا بمفردات مختلفة، لأننا لسنا بصدد إنسان عكف بالمصادفة علي ابتكار شئ مذهل لمجرد كونه فخورًا، بل بصدد إنسان يعد واحدًا من الأفضل كونيِّاً حيال الرهان التقني، وسيد الأدمغة الإلكترونية، أسس أربع شركات أضافت الكثير إلي حقل التكنولوجيا والبرمجة في العالم: شركة “بورلاند” التي تصدرت بفضل مهارته المشهد التكنولوجي حقبة كاملة حتي انهارت أمام سيطرة مايكروسوفت على سوق البرمجيات، فاستقال “فيليب” من منصبه ليؤسس بالإشتراك مع “سونيا لي” شركة “ستارفيش” بالاعتماد على فكرة التزامن الكلي والتكامل بين الأجهزة اللاسلكية والسلكية لإدخال أو تعديل معلومات في أي مكان وكل مكان تلقائيًا، وعندما قامت “موتورولا” بشراء “ستارفيش” بمبلغ 325 مليون دولار قام هو بتأسيس شركة “لايت سيرف”، ثم كانت “فول باور” آخر شركة قام بتأسيسها عام 2003 معتمدًا علي التقاء التكنولوجيا اللاسلكية والنانو تكنولوجي والأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة المعروفة بنظام “MotionX”..
بالإضافة إلي ممارسته رياضة الإبحار واشتراكه وفوزه بمراكز متقدمة مع فريقه في العديد من المسابقات العالمية كل عام, كما يجيد العزف علي الفلوت أيضًا، فلقد تعلم الموسيقى الكلاسيكية في المعهد الموسيقي بمدينة زيوريخ!
ولد في باريس عام 1952، ودرس الرياضيات في سويسرا, وحصل علي درجة الماجستير فيها من جامعة “نيس”، ليبدأ أسطورته في عالم البرمجة من خلال سلسلة من البرامج المتتالية للحواسب الصغيرة “MICRAL”..
لكن قدرته علي دمج الكاميرا بالهاتف هي ما جعلت شعبيته تطوق العالم من تأثير هذا الإستحداث علي الأفكار التي كانت مقررة أو الأفكار التي في طريقها إلي أن تصبح من الماضي!
بدأت حكاية هذا الحدث عندما كان “فيليب” في انتظار مولودته علي أحد مقاعد المستشفي، وفكر فقط في أن ينقل صورتها عبر الإنترنت إلي عائلته فجعل منها طفلة عالمية، كان يمسك هاتفه بيد، وكاميرا بيده الأخري، وفجأة، تسائل:
– لماذا لا يندمجان؟
وبسلك مكبر الصوت في سيارته، فعلها!
مع ذلك، فاختزال أهمية كاميرا الهاتف في الصور الذاتية تحريفٌ لها وخيانة وتشويه، إنها أيضًا وسيلة للتدوين، فإذا فعلت ذلك في أي مكان أو حتي التقطت “سيلفي”، لا تنسي أن “فيليب” دعاك لتكون جزءًا من الاحتفال بميلاد “صوفي كان”..
محمد رفعت الدومي