ما بين صحافة مايو والإنقاذ (6)!!
نواصل الحديث عن صحافة مايو والإنقاذ، ففي مايو كانت إدارة التحرير توفر بيئة طيبة للمحررين، إذ وفرت عربتين لنقلهم من منازلهم إلى مقر الصحيفة، العربة الأولى، كانت مخصصة لمحرري سكان “أم درمان” وهم “عوض أبو طالب”، “إنعام محمد الطيّب”، “صباح آدم”، “عواطف صديق”، “مصطفى أبو العزائم”، “بخيت نور الدين”، “شادية حامد”، محمد لطيف” وشخصي، كان السائق “حسن حسين” هو المعني بتوصيل محرري “أم درمان”، وهنا أذكر أن الدكتور “محمد عوض البارودي” كان مغرماً بالصحافة، وأصبح فيما بعد صحفياً تولى رئاسة تحرير صحيفة السودان التي كانت تصدر من “لندن”، وأصبح فيما بعد وزيراً للثقافة بولاية “الخرطوم”، قال وما زال يردد مقولته إنه كلما شاف ناس “صلاح حبيب” وهم داخل عربة الأيام متى يصل هذه المرحلة، لقد كانت الأيام وهي إحدى صحف النظام المايوي قمة في المؤسسية والاحترام، وحتى السائق “حسن حسين” في أحد الأيام كان أحد الزملاء وهو يعتلي سلم الصحيفة وجاء من خلفه الأستاذ “حسن ساتي” رئيس التحرير وشاهد قميص الصحفي من الخلف متسخاً، فقال له يا فلان أنا ما عندي صحفي بيجي وسخان، فرد عليه الصحفي كيف يا أستاذ، فقال له ألم تنظر إلى قميصك، فأجابه بأن قميصه نظيف إلا أن تكون العربة متسخة، فطلب منه مناداة السائق، فجاء السواق “حسن حسين” ووبخه رئيس التحرير وطلب منه أن يغسل عربته يومياً (بقروشه) أو بقروش الصحيفة، ولذلك كان صحفي الأيام قمة في الانضباط والنظافة، بل حدد الأستاذ “حسن ساتي” محرراً أشبه بالمحرر الدبلوماسي عليه أن يلبس بدله كاملة في تغطيات رئاسة الجمهورية وقاعة الصداقة، وحدد الراحل “عابدين سماحة”.
لقد سنت صحيفة الأيام سنة حسنة بتخصيص مركبات للصحفيين عملت عليها في ما بعد صحافة الإنقاذ، ففي صحيفتي السودان الحديث والإنقاذ كانت هناك عربتان أيضاً خصصتا لمحرري مدينتي “أم درمان” و”بحري”، وظلت هذه السنة، ولكنها غابت في صحافة الإنقاذ عندما أنشأت صحيفة الأنباء، فكان المحررون يتحركون بطرقهم الخاصة ذهاباً وإياباً، وأحياناً حتى التغطيات الصحفية كانت تعتمد على الصحفي وأحياناً تلعب العلاقات الاجتماعية الخاصة للصحفيين مع إخوانهم في سونا خاصة في المؤتمرات الصحفية أو الورش وغيرها من أماكن التغطيات الصحفية اليومية، دورها.
لقد حظيت صحافة مايو بصحفيها اهتماماً كبيراً وجعلت من المهنة مكان احترام كبير للصحفيين وللمؤسسات التي يعملون بها، ولا أذكر أن مسؤولاً قد شكا من أي محرر حتى أخبار المسؤولين، والتغطيات المختلفة تجد طريقها للنشر بصورة جيدة ونادراً ما تنفي وزارة أو مؤسسة خبراً صدر بالصحفية لعدم الصياغة الجديدة، أو أخذ المعلومة من المصدر الأساسي، وهنا أذكر أن الدكتورة “فاطمة عبد المحمود” وزيرة الرعاية الاجتماعية كانت في لقاء مع بعض المسؤولين وكنت حاضراً ذاك اللقاء، وفي اليوم التالي حاولت أن تنفي ما جاء على لسانها في اللقاء، فقال لها الأستاذ “أحمد البلال الطيّب” ووقتها كان رئيس قسم الأخبار، فقال لها يا دكتورة نحن ما عندنا صحفيين بينقلوا أخبار خطأ فراجعي نفسك، وهنا كبر في نظري الأستاذ “أحمد البلال” رغم أن النظام شمولي ويمكن أن يؤثر الوزير على المسؤول بالصحيفة، ولكن كان درساً للوزيرة وأحمد الله طوال عملي لم يُنفَ لي خبر.