محجوب عروة : الحوار وقوي المستقبل والمصالح الوطنية
والحوار الوطني يمضي الى نهاياته وتكاد كل اللجان الست تنتهي من تقديم توصياتها يحس كثير من الذين واظبوا على الحوار وتحمسوا له أن هناك جهات تحاول عرقلته بافتعال تصرفات غريبة وكأنها تريد أن تدفع المشاركين نحو الانسحاب وقد رويت قبل أيام ما حدث في لجنة نظام الحكم، ولكن استطاع المتحاورون بقدر كبير من الحكمة والإرادة والإصرار تجاوز تلك المحاولات وعادت المياه لمجاريها.. من جانب آخر برزت قوى سياسية معتبرة أطلقت على نفسها (قوى المستقبل للتغيير) وهي قوى معارضة داخلية وهذا تصرف جيد طالما التزمت العمل السلمي الداخلي، فذلك أفضل من العمل الخارجي المسلح أو حتى السياسي حيث أنها تتأثر قطعاً بأجندة القوى الخارجية التي تدعمها أو تفتح لها المجال وتسمح لها بالإقامة فذلك نهج جربناه في الماضي الأوفق منه العمل داخل حديقة الوطن سواء بالمناصحة أو المعارضة، لأن الذي يعارض من الخارج عندما
يحدث التغيير ويعود للبلاد يكون مضطراً لدفع الفواتير السياسية وهذا ما حدث بالضبط عقب انتفاضة أبريل ۱۹۸٥ الأمر الذي أدى الى ارتباك العمل السياسي ووقوعه في أجندة الداعمين للحكام الجدد فانتهى الأمر إلى صراعات ومكايدات فانقلاب جديد واستمرار الدورة السياسية الفارغة.. إن الاختلاف الحالي بين معظم القوى السياسية اليوم سواء كانت حاكمة أم معارضة هو في تقديري اختلاف مقدار ودرجة وليس اختلاف نوع مثلما كان
في العقود الماضية منذ الاستقلال، ففي الماضى كان الخلاف شاسعاً بين الجميع، أما اليوم فالمساحة ضاقت وأصبح مجرد خلاف حول من يحكم وهذا يمكن حسمه بسهولة إذا ارتضينا حكم الشعب عبر صناديق الانتخابات وقبلنا بما يقرره الشعب يتداول فيها الجميع السلطة سلمياً.. في تقديري لو استطاع المتحاورون في القاعة من القوى غير المشاركة في السلطة باعتبارها محايدة أن يتصلوا بقوى المستقبل التي أعلنت عن نفسها مؤخراً وتحاوروا معهم خاصة فيما طرح في القضايا الست فيمكن التوصل لقواسم مشتركة لو قدم الجميع مصالح الوطن العليا ومن ثم يكون الاتفاق هي التي ترفع إلى رئاسة الحوار ليتم الالتزام بها، كما يمكن توسيع الآلية التنسيقية لتشمل أكبر عدد من الجانبين إضافة لقوى المعارضة فتشكل مؤسسة قوية لتنفيذ مخرجات الحوار والالتزام به كما وعد الرئيس البشير.
من جانب آخر يمكن أن تعطي الآلية التنسيقية بوضعها الجديد بعد تعديلها وإضافة المتحاورين وقوى المستقبل دفعة جديدة لحل سياسي شامل ومن ثم الاتصال بالمعارضين في الخارج الذين يتعين عليهم القبول بهذا الحل السوداني الخالص بدلاً عن الحل الأجنبي ذو الأجندة الخاصة.. هذه هي الوطنية الحقة وليس مجرد شعارات وأناشيد وهتافات واحتفالات ظللنا نرددها منذ الاستقلال ولا نفعل ما تقتضيه الوطنية..