دولة لا تحترم تاريخها !!
* ليس هنالك دولة تحترم نفسها، تجعل من منزل الشخص الذي تحقق على يديه استقلالها وأول رئيس لها، موقف مواصلات عامة، تحيط به المركبات العامة ومرتادوها والباعة الجائلون من كل مكان، وتحيل المكان إلى زريبة كبيرة ومقلباً للنفايات والأوساخ، ومكاناً للتسابق على المواصلات وحدوث المشاجرات والمنازعات، والتبول في الشوارع والأفضية المحيطة!!
* بل خصصت السلطات أفضل مكان لوقوف الركشات، وتلويث المنزل ومحيطه بدخان العوادم وقشر القصب وأعقاب السجائر والأوساخ من كل الأنواع، وذلك من الناحية الجنوبية المطلة على الشارع الذي يحمل اسم هذا الرجل العظيم، الزعيم إسماعيل الأزهري، الذي تحقق بحكمته وسنوات نضاله الطويلة، مع إخوة أماجد له، استقلال البلاد في يناير ۱۹٥٦ ، ثم اختاره الشعب في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة أول رئيس حكومة للبلاد، ثم رأساً للدولة، وعندما انتقل الى رحمة لله، كان في السجن ليختم حياته مناضلاً، كما بدأها، بعد استيلاء انقلاب عسكري بقيادة العقيد جعفر نميري على السلطة في مايو ۱۹٦۹!!
* ثم يدور الزمان، وتأتي السلطات، بدون أدنى احترام أو تقدير للتاريخ العظيم للرجل العظيم والزعيم الخالد، لتحول منزله الى موقف مواصلات ومكباً للنفايات .. المنزل الذي شهد أعظم أيام السودان واستقبل أشهر ضيوف البلاد من الزعماء والقادة والمشاهير، وكان مفتوحاً لكل المواطنين بلا تمييز، أو أجهزة حراسة، أو أسلاك مكهربة وكاميرات مراقبة، أو قوات مدججة بالسلاح، أو عربات مصفحة للتنقل من مكان الى مكان حتى ولو لبضعة امتار، أو أي شئ مما يحمي به الحكام أنفسهم في هذا الزمان، ويتجنبون رؤية الوجوه الكالحة لمواطنيهم ورعاياهم المغلوبين المقهورين!!
* في أي مكان في العالم، فإن مثل هذا المنزل يحاط بالحدائق والميادين المخضرة، ويحول الى متحف وطني ومزار يزوره المواطنون والأغراب، ليتعرفوا على تاريخ السودان، وسيرة الرجل العظيم الذي وقف وراء استقلال البلاد وأصبح أول رئيس لها، وعاش طيلة العمر مواطناً بسيطاً لم يتعال على أحد، ولم يغلق بابه في وجه أحد، ولم يعبس في وجه أحد، بل كان على الدوام هاشا باشا ومتواضعاً وكريماً مع كل الناس، ولم يُعرف عنه أنه مد يده الى حرام أو مال عام، وحتى المنزل الذي كان يعيش فيه وأصبح تركته الوحيدة عندما مات، بناه أصدقاؤه ومحبوه حتى يكون هنالك
منزل لائق يستقبل فيه رئيس البلاد ضيوفه الرسميين، وقد قبل بعد إلحاح، ثم يدور الزمان ليتحول هذا المنزل العظيم إلى موقف مواصلات عامة ومرتع للباعة المتجولين وكوشة للأوساخ .. يا للجحود والنكران!!
* إن أي مواطن بسيط ما كان سيقبل هذا الوضع المزري لو حدث حول منزله، وكان سيرفع مئات الشكاوى والتظلمات ليحمي أسرته والمحيط الذي يعيش فيه، وهو حق له، أما أسرة الزعيم العظيم فلم تشتكِ ولم تتظلم، ولم تحتج، بل ولم تتذمر من هذا الوضع المهين لرب أسرتها والزعيم العظيم، الذي لو كان حياً ما كان سيسلك غير هذا السلوك!!
* عارٍ عليكم، أيها الحكام، وعارٌ علينا جميعا، أن يكون منزل الزعيم العظيم وأول رئيس حكومة وأول رئيس للبلاد .. موقفاً للمواصلات العامة وكوشة كبيرة ومرتعاً للباعة والمتسكعين .. عارٌ وأي عار!!
سلمت يداك