وإنت عشان بتحب تجرب تلقى ميولك منها تقرّب.. الممنوع مرغوب
يلعب الأسلوب دوراً كبيراً في الابتعاد عن النواهي، إن لم يحمل في ثناياه الغلظة والشدة، التي تدفع بالجنوح لارتكاب المنهيات، وجاء النهي منذ بدأ الخليقة في قوله تعالي (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) وغيرها من الألفاظ التي وردت لاجتناب بعض الأمور.
في حياتنا اليومية نمر بكثير من الممنوعات كعبارات ممنوع الاقتراب، ممنوع الوقوف وغيرها من الممنوعات، ومن اللافت أن عبارة الممنوع مرغوب صارت مثلاً يُضرب بين الناس دون الوقوف عنده، لماذا كل ماهو ممنوع مرغوب؟ هل المحرض هو الإشارة إليه، أم الصيغة التي كتب بها؟
فضول وهوس
في السياق، أشار علي حامد إلى أن الإنسان بطبعه محب للمعرفة واكتشاف المجهول، ويصبح الأمر عادياً بعد الوصول إليه، لكن رجع وقال ليس كل ممنوع مرغوب ربما بعض الأسباب تلفت من الانتباه وتحرض على اقتحام هذا المنع، واتفق معه عثمان، وأضاف أن المنع يخلق فضول وهوس فضلاً عن الرغبة في كسر الممنوع وتذوقه إن كان حلواً أو مراً.
تزيين وتجميل
فيما أرجعت فيفان بابكر (موظفة) الأمر إلى حب الاستطلاع والنظر في ماوراء الكواليس، وقالت: كثير من الأحيان يكون العناد الدافع الأساسي في ارتكاب الأخطاء، لأن المنع لا يأتي إلا لعدم التماس الضرر، ذلك غير تزيين أبليس ووساوسه للنفس وتجميله لكل ما تمنع منه خاصة في ما يختص بالإيمانيات.
لماذا منع؟
رغبة الإنسان في التطلع لن تموت برأي خالد عبدالله (طالب)، لذا نفسيته تجعله يتعلق بكل ما هو ممنوع ومحجوب، لاسيما الأطفال لا يرغبون إلا فيما نهوا عنه، ولا يهدأ لهم بال حتى يتحقق ويعرفون لماذا مُنعوا من هذا بالذات. ويرى يوسف (موظف) أن فطرة ابن آدم دائماً ما تقوده إلى الاكتشاف وحب الاستطلاع، خاصة إذا منع، وذلك يولد بداخله عدد من الأسئلة مما تجعله حريصاً على المعرفة.
فضول أم عناد؟
“بصراحة لا أستطيع وصفه هل هو فضول أو عناد ورغبة في المخالفة”، هكذا ابتدرت نسيبة زروق (طالبة) حديثها، وأضافت: النفس البشرية شغوفة بمعرفة ما يخفى عنها، لكن ذلك لا يمنع من تحكيم العقل قبل تنفيذ أي خطوه يمكن أن ترمي بنا في براثن الممنوع، الذي يلحق الضرر، وقالت: مثال ذلك التدخين رغم معرفتنا بأضرارها وتحذير وزارة الصحة المعلن في صندوق السلعة، إلا أنه مرغوب وبكثافة، مما يجعل مئات الاستفهامات تدور حول تلك العبارة التي نستخدمها كثيراً (الممنوع مرغوب).
اكتشاف ومعرفة
من ناحيتها، قالت يسرية (محاضر بجامعة الخرطوم) إن التركيز على (لماذا منع هذا الشيء؟) يعود إلى طبيعة الإنسان، باعتباره كائناً تشده أحياناً الجوانب المثيرة التي تترك تساؤلات حولها، وترى أن المحرض الأساسي والدافع في أغلب الأوقات للرغبة في الممنوع الأسلوب وصيغة النهي، فضلا عن دافع الاكتشاف والمعرفة.
إثبات وجود
أشارت د. صفاء عبد المنعم اختصاصية علم النفس إلى أن السلوك لا يأتي إلا بعد التفكير الذي تحركه بعض الدوافع، والتي دائما ما تكون غرائزية، ولفتت إلى أن الصراع على القيام بالفعل أو تركه يكمن وسط الضمير، وبإمكان الإرادة القدرة على إحكام سيطرتها على ذاك الصراع، والضعف يقود إلى عدم ضبط النفس. وأرجعت الرغبة في كسر الممنوع إلى التربية وطريقة النهى، خاصة إذا جاءت بصيغة الكبرياء وفرض الرأي، لا سيما أم الاختلاف بين الأبوين في طرح القرارات من أكبر المهددات التي تؤدي إلى الاضطراب في شخصية الأبناء، مما ينعكس على سلوكهم وأساليبهم في الحياة، نسبة لاختلاط الأمور وعدم التميز بين ما هو صحيح وخطأ، غير أنهم يصبحون أشخاصاً متمردين على الحياة أو كارهين لها ولأنفسهم، لذلك لايهتمون بعواقب المنع، وأن كان الممنوع قانوناً سائداً، ويحدث ذلك في كثير من الأحايين لإثبات الوجود.
نسيبة محجوب
صحيفة اليوم التالي