ثرثرة مقعد في صالون نسائي (1)
ما قصدتُ صالون حلاقة نسائيًا، إلاّ وحَضَرَتنِي أغنية اشتهِرت قبل فترة في الجزائر لـلمطرب«أمازيغ»، ابن الكاتب الجزائري الشهير كاتب ياسين. «”أمازيغ” تعني في اللغة الأمازيغية “الرجل الحرّ”» لذا كان الرجل وفيّـاً لإرثه ، و أعلن بحرّية مطلقة عن أمنية لم يجرؤ مطرب على إعلانها في أغنية :«”أريد أن أكون مقعداً في صالون نسائي للحلاقة »!”
أعجَب أن لا رجل قبله امتلك شجاعة إعلان أمنية كهذه، فيبدو أن “الكراسي النسائية ” تسببت في هلوسات لبعض النفوس المريضة ، كما في مصر، حيث أفتى أحدهم بتحريم جلوس رجل في الحافلة أو في قطار على مقعد جلست عليه امرأة.. قبل مرور نصف ساعة على قيامها من الكرسي !
تصوّروا منظر حافلة مكتظة بالركاب، كما هي عادة الباصات في مصر ، والرجال وقوفاً يدققون في ساعاتهم.. في انتظار مرور الوقت الضروري ليبرد الكرسي الشاغر الوحيد في الحافلة ..خشية انتقال «ذبذبات الأنوثة» إليهم إن هم جلسوا عليه!
وتصحيحـًـاً لمقولــة ساشـا غيتـري: «”لا أحد يسمع الحَمَاقَات أكثر من لوحة مُعلَّقة في معرض للفن التشكيلي”»، أقول بل الحماقات الأكثر غَـرَابَـة ، تسمعها المقاعد التي تجلس عليها النساء في صالونات الحلاقة، حيث غالباً ما يتحوّل المقعد إلى كرسي للاعتراف، ما إن تجلس عليه المرأة ، حتى وهي في حالة استرخاء ، تُباشر البَـوح بأسرارها ومشروعاتها وخلافاتها الزوجية لمن سلّمته رأسها .
أغرب ما رَوَته ألسِنَـة المقاعد النسائية لدَى الحلاّق، تلك الحادثة التي نقلها التاريخ عن الكاتبة «جورج صاند»، التي جمعتها في بداية القرن التاسع عشر، قصّة حُــب عنيفة، مع الكاتب «ألفريد دي موسيه»، وكذلك مع الموسيقار الشهير «شُـوبَــان»، الذي أحبَّها بِوَلَــع وشَـغَـف، وتعذّب كثيراً بسبب كَوكَبَة العشّاق الذين أحاطوا بها على الدوام.
ويُحكَـى أنّ خبر موت الموسيقار «شُـوبَـان»، بلغها وهي تُزيِّن شعرها عند الحلاق، فدُهِشَت، وبَـدَا عليها شيء من الألم، لكنها سرعان ما توجّهت ببرودة دم إلى حلاّقها قائلة: “«فليكن . . كان شوبان عظيماً ومات عظيماً، وموت العُظَمَاء أكبر من الحُزن عليهم !»” وواصلت دردشتها في أمور أخرى. لكأنَّها ، حال جلوسها بين يدي حلاّقها ، نسيت لمن كانت تتجمّل في الماضي ، وغدا كلّ همّها صورة مشاريعها في المرآة .( يتبع )
( من أرشيف مقالاتي . أهديكم شيئًا من السخرية )