منوعات

العنوان لغة المظهر

لفت انتباهي بشعره الملون بالميج البني الفاتح وبلوزته المزركشة بالأصفر والبرتقالي (البفقع المرارة) والبنطلون الناصل ليشف عما تحته والسلاسل والأسوار، التي تحيط بعنقه ويده كاغلال كبلته بالموضة المشوهة التي صرنا لا نفرق- بفضل هيمنتها ويدها الباسطة- بين البنت والولد… فصرنا شيئاً واحداً في نظري على حد سواء… وأنا اراقبه من بعيد بتأفف وفضول، وأشاكل في روحي يا ربي دا ولد ولا بنت سارحه في تفاصيل مظهره المستفز حد الغيظ … وأنا في أحد المواقف.. وماهي لحظات حتى ظهر في الاتجاه المعاكس شيخ مسن منحني الظهر، تبدو عليه علامات فقدان الذاكره، أخذ يسأل الناس عطية ويجوب حولهم فرداً فرداً رافعاً يديه بالدعاء، ولكن لا حياة لمن تنادي الكل منصرف عنه، ولسان حالهم يقول يا حاج (فايتنك بالصبر)، وموقف المواصلات تئن أرضه بمواطئ أقدام منتظري المواصلات على اختلاف وجهاتهم، وكافة أنواعهم نساء ورجالا طلابا وموظفين، لم يجد ذلك الشيخ لمسه على كتفه أو سد عوزه القليل، وتحرك ذلك الشاب باتجاه المسن ليدس في يده ورقة أحسبها عشرة جنيهات بعد أن فتح محفظته الخاوية على عروشها، إلا من عشرة جنيهات مثلما أنفق، وقام بشراء (عصير كركدي ) ليروي ظمأ سنين من العوز والحاجة ثم همهم معه بكلمات ثم اقتاده لاحدى المركبات، وأوصى السائق عليه، بعد أن دفع (حق التذكرة) كاملاً غير منقوص ووقف ليعد ما تبقى لديه من نقود بشيء من الحيرة والرضا.. فعجبني صنيعه لدرجة أنني فكرت في التصفيق له وسط هولاء القوم الشعث المغبرين، وإن طالت عمائمهم، وفاحت روائحهم الذكية ونضرت وجوههم….. حسبتهم خيالات لشخوص غابت ضمائرهم حينها، أثبت لي ذلك الشاب الذي هو طالب علم أكيد أن مظهر الشخص لا يعكس جوهره. … وأننا دائماً نحكم على غيرنا من مظهره فترتقي بالوضيع.. ونحط من قدر العظيم ظلماً وجوراً. ..لا لشيء سوى أننا فقدنا بوصلة الحكم على الشخص بجوهره وصارت المظاهر هي لغة التخاطب والفهم العميق.. شكراً أيها الشاب المزركش بالأخلاق الجميلة المدثرة بألوان إنسانيتك الفاضلة.. شكراً لأنها خرجت صنيعاً بالإيثار دون خصاصة في سوق المظاهر الخاضعة لطلب المظاهر وعرض النفاق الاجتماعي.
سوسنه
وبقيت أعاين في الطريق… منتظره لي فرحة وأمل
شوقاً كتير.. دمعاً غزير، فاض بالمقل
حضن الألم…. حنية ممشوقة بقدل

شرود:سوسن نايل
صحيفة آخر لحظة