بعد منتصف الليل
* لفت أحد القراء نظري إلى جزئية مهمة، مفادها أن محاسبة المستشفيات المخالفة بقرار من وزارة الصحة الاتحادية، لم يتم بسبب مغالاة تلك المستشفيات في أسعار العلاج، بل لأنها لم تلتزم بالأسعار المحددة سلفاً.
* بمعنى، لو حدد أحد المستشفيين المعاقبين عشرة آلاف جنيه أو عشرين ألفاً لسرير العناية المكثفة في اليوم، وتحصل على المبلغ المذكور كاملاً، لما استطاعت الوزارة محاسبته على مغالاته أبداً.
* تلك المعلومة تقودنا إلى جزئية أكثر أهمية، وتتعلق بإصرار الوزارة على (تحرير) أسعار الخدمات الصحية، وذلك خطأ فادح، لأن كلفة العلاج ينبغي ألا تترك لمزاج مُلاك المستشفيات وحدهم.
* كل المستشفيات الخاصة تحدد أسعارها على كيفها، ولا تستطيع الوزارة محاسبتها مهما غالت فيها، طالما أن الجهة المسؤولة عنها تصر على تحرير أسعار العلاج بالكامل.
* من يصاب بالذبحة أو الجلطة لن يجد ذووه فسحةً من الوقت لاختيار أقل أقسام الطوارئ كلفةً، لأنهم سيكونون في سباق مع الزمن لإنقاذ حياة مريضهم، علماً أن بعض المشافي الخاصة تفرض على مرضاها أن يدفعوا أربعة آلاف جنيه لليوم الواحد في أقسام العناية، وتفعل ذلك على عينك يا وزارة، وبرضاها ومباركتها، لأن الوزارة الولائية حررت أسعار الخدمات العلاجية كلها، بما فيها قيمة العلاج في أقسام الطوارئ، خلافاً لما يحدث في معظم أنحاء العالم.
* يأخذون أربعة آلاف عن اليوم الواحد، لتبلغ كلفة سرير العناية وحده مائة وعشرين ألفاً في الشهر، بخلاف مصاريف الفحوصات المعملية والتشخيصية والاختصاصيين والأدوية المقدمة للمريض، علماً أن ثمن جهاز التنفس الاصطناعي لا يتخطى مائة وخمسين ألف جنيه.
* التنافس في أسعار العلاج يجب أن يترك للحالات الاختيارية، التي يمتلك فيها المريض فسحةً من الوقت تمكّنه من انتقاء المستشفى الذي يرغب فيه ويناسب قدراته المادية، وليس لحالات الطوارئ.
* كذلك ينبغي على الوزارة أن تبادر بإزالة شبهة (تضارب المصالح) عن عمليات التفتيش، لإكسابها معدلاً أعلى من المصداقية والاحترافية.
* تخصص الوزارة أربعين في المائة من قيمة الغرامات الموقعة على المخالفين كحوافز للمفتشين، وتلك النسبة المهولة قد تشجعهم على التشدّد، سعياً لتكبير الكوم، علماً أن القانون جعل الحد الأدنى للغرامات خمسة آلاف جنيه، وترك السقف الأعلى مفتوحاً، بغياب كامل لأي معايير واضحة تحكم تلك الغرامات.
* الغرامة التي فرضت على المستشفيين المخالفين (مائة ألف جنيه لكلٍّ) سينال منها المفتشون ثمانين ألفاً، فهل ذلك معقول؟
* ختاماً نشير إلى ضرورة إيجاد صيغة عادلة لتطبيق قانون الإجراءات العلاجية، وإسناد أمر البت في المخالفات المنسوبة إلى المستشفيات لجهة محايدة، تمنح المتهمين فرصاً عادلة للدفاع عن النفس، وتلزم المفتشين بمعاملة كل المشافي بعدالة، وبلا تمييز، لأننا نشك كثيراً في قدرة أولئك المفتشين على اقتحام المستشفيات المملوكة لمأمون حميدة (مثلاً)، بذات النهج الذي اتبعوه لتفتيش مستشفيي (إمبريال) و(الأطباء) المعاقبين.. بعد منتصف الليل.