بالصور: محمد حسنين هيكل.. قرّبه ناصر وأبعده السادات وهمشه مبارك!
تغزل في الملك فاروق، واقترب من جمال عبد الناصر، وأبعده أنور السادات من برجه العاجي، وهمشه حسني مبارك، وغازله محمد مرسي، وحاول التقرب من عبد الفتاح السيسي ونجح في البداية وأصابه الفشل في النهاية. باختصار هذه هي علاقة الصحافي المصري محمد حسنين هيكل بملك و 5 رؤساء عاصرهم في حياته.
هيكل له عبارات وصف بها هؤلاء الرؤساء صكها باسمه منها “الفاروق دائما”، “عبد الناصر زعيم الأمة”، “السادات بطلا”، “أرى أن مبارك يحكم 3 سنوات أخرى”، “الله يكون في عون السيسي”.
لكن السؤال كيف نجح هيكل في الاقتراب من ناصر وأصبح كاتب الزعيم ومحرر خطاباته ولماذا أبعده السادات وهمشه مبارك؟ ثم لماذا حاول مرسي الاستفادة من نصائحه؟ وأخيرا لماذا عزف السيسي عنه؟
هيكل والملك
بدأ هيكل عمله في الصحافة في عام 1942 عندما كان فاروق ملكا على مصر وخلال تلك الفترة كانت كل كتابات هيكل عن الملك تصب في خانة التفخيم له والإشادة بإنجازاته ونسبة كل نجاح له.
كتب هيكل عن فاروق في مجلة روز اليوسف في فبراير سنة 1944 أثناء انتشار مرض الكوليرا تحت عنوان “إنه الفاروق… الملك في الصعيد يزور مناطق المرض بنفسه ليشرف على ما يجري وليواسي شعبه… هذا هو النبأ العظيم الذي لم يدهش له أحد ولم يعجب له أحد ولكن الناس جميعا أضاءت عيونهم بنور الأمل والثقة وتقابلت أنظارهم فتبسموا ابتسامة حب وحنان إنه الفاروق… إنه الفاروق دائما”.
ورغم كتابات هيكل الممجدة للملك إلا أن الملك لم يعره أي اهتمام أو يلفت نظره ما يكتبه هيكل عنه ربما لأنه في تلك الأثناء كان هناك كتاب كبار يقرأ لهم الملك ويهتم بكتاباتهم مثل إحسان عبد القدوس ومحمد التابعي واحمد أبو الفتح.
هيكل وعبد الناصر
وعقب ثورة يوليو 52 وجد هيكل ضالته ونجح فيما فشل فيه أثناء حكم الملك وأصبح الصحافي المقرب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بل إن عبد الناصر وهذا نادرا ما كان يحدث كان يزور هيكل في مكتبه بالأهرام.
الصحافي محمد حماد يفند علاقة هيكل بناصر ويشرح سبب قوتها فيقول: إن هيكل راح يتعقب القوة البازغة في الجيش وهي تتحرك لقلب الأوضاع، ولم يكن وجوده في يوم 18 يوليو سنة 1952 في منزل محمد نجيب إلا نوعا من هذا التحسس للخطى، بعدها رمى أوراقه كلها مع القوة الجديدة في الجيش، وتابع الرجل الأقوى منذ اللحظة الأولى وهو عبد الناصر واقترب منه عمداً وبإصرار، يملؤه طموح بلا حدود للعب دور.
عبد الناصر زار هيكل في مكتبه
أتقن هيكل لعبة الصحافي في خدمة السياسي، كما أتقن فن أن يكون السياسي في خدمة الصحافي، وفي هذا السياق يتابع الصحافي محمد حماد: عرف هيكل مبكرا جدا ما يحتاج إليه رجل في موقع ومكانة عبد الناصر من أفكار وأخبار واتصالات، وأدى المطلوب على خير وجه، وعبر عن الزعيم بصورة كان يقول عنها عبد الناصر: “هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله”.
كان قرار هيكل منذ البدايات الأولى أن يقترب من السلطة، بل ويلتصق بها، وكان يردد دائماً ومبكراً جداً، وربما في الأيام الأولى من الثورة، أن “الحاكم يحتاج لصحافي يعبر عنه”، وكان يؤكد بقناعة مطلقة: “وسأكون أنا هذا الصحافي”.
سلطة هيكل
وصلت العلاقة بين هيكل وعبد الناصر إلى حد شعر هيكل معه أنه هو من يفكر للزعيم ولا أحد غيره، وأن ناصر لا يتخذ قرارا إلا بعد مشورته. وكانت هناك 4 روايات ووقائع تجسد تلك العلاقة بين الطرفين. .
الواقعة الأولى رواها صحافيون نقلا عن الأديب الراحل يوسف إدريس الذي دخل مكتب هيكل للقائه فقالت له السكرتيرة وكان اسمها نوال المحلاوي: الأستاذ مشغول ولن يستطيع مقابلتك اليوم؟ فغضب الأديب الكبير وقال لها أنا يوسف ادريس من أنت لكي تتحدثي نيابة عن هيكل. فقالت له: أنا نوال المحلاوي اعتبرني رقم 3 في مصر. فاستغرب ادريس الإجابة وسألها كيف لمثلك أن تكون رقم 3، فقالت من يحكم مصر، رد ادريس: عبد الناصر، فأجابت: وعبد الناصر في جيب الأستاذ هيكل والأستاذ في جيبي. واختتمت قائلة تفضل وسأحدد لك موعدا. ولم يرجع الأديب الكبير لمكتب هيكل مرة أخرى.
الرواية الثانية يرويها الكاتب الصحافي محمد حماد وكانت في عام 1968، حيث كان أنور السادات رئيسا لمجلس الأمة، وذهب للقاء هيكل بمكتبه في الأهرام لكن هذا اللقاء لم يتم. وانتظر السادات 45 دقيقة في قاعة الضيوف الملحقة بمكتب هيكل، رغم وجود موعد سابق. وبعد أن تكرر إلحاح السادات للسكرتيرة بأن تسأل الأستاذ إذا كان يرغب في تأجيل الموعد إلى يوم آخر، دخلت السكرتيرة وخرجت بعد ثوان، لتقول للسادات: “اليوم الأربعاء، والأستاذ مشغول بكتابة المقال. سيحدد لسيادتك موعدا آخر، إن شاء الله”. وكانت تلك غصة في حلق السادات ذكّر هيكل بها فيما بعد.
الرواية الثالثة – ويرويها حماد أيضا – كانت المحلاوي سكرتيرة هيكل تصل إلى مكتبها في ساعة مبكرة من الصباح، طوال فترة عملها مع هيكل، وحدث ذات صباح أن تأخرت عن موعدها، فقالوا : تأخرت.. وبعد قليل أصبح الأمر أكثر من مجرد تأخير وسرى الخبر سريانا سريعا، حتى خارج مبنى مؤسسة الأهرام، مصحوبا بتكهنات وشائعات مختلطة، كانت من بينها شائعة واحدة صحيحة: لقد اعتقلت السيدة، ووضعت في السجن، بأمر الرئيس عبد الناصر شخصيا.
وكانت سكرتيرة هيكل قبل أيام قليلة تقضي السهرة بصحبة زوجها، مع الكاتب اليساري المعروف لطفي الخولي وزوجته ولأن الجلسة لا تضم غرباء، فقد تحدث الجميع على راحتهم. وتطوعت المحلاوي بطرح معلومات قيل إنها من الأسرار العليا جدا، وفي مصر كلها لم يكن يعرف عنها شيئا، باستثناء اثنين: عبد الناصر وهيكل.
وبالطبع لم تكن هي ولا من معها يتصور أن أجهزة التسجيل قد سبقتهم إلى حيث سيقضون سهرتهم الوديعة، وبعد إجراء التحقيق معهم جميعا، أودعوا في السجن، حتى تدخل هيكل لدى عبدالناصر فأمر بالإفراج عن السكرتيرة، التي عادت إلى الأهرام، ولكن في موقع آخر بعيدا عن خزائن الأسرار، فقد ألحقت بقسم الترجمة الذي يختص بتعريب الكتب العالمية.
الرواية الرابعة : كتب المحرر البرلماني في “الأهرام” ما لم يعجب السادات، وكان وقتها رئيساً لمجلس الأمة، فطلبه إلى مكتبه وعنفه، ويكاد يكون طرده من المكتب بطريقة غير لائقة، وذهب المحرر إلى هيكل طالباً نقله إلى عمل آخر، وعندما استفسر عن الأسباب ذكر له ما حدث، فلم يكن من هيكل إلا أن طلب منه أن يخرج من مكتبه مباشرة إلى مكتب السادات قائلا: اذهب إليه الآن، وسوف يعتذر لك.
لم يكد الصحافي يصل إلى أول شارع مجلس الأمة، وقبل دخوله بوابة المجلس، وجد من يبلغونه أن السادات يطلبه، ويسأل عنه، وما إن وصل إلى مكتب السادات حتى بادره قائلا: “دا كلام رايح تشتكيني للأستاذ هيكل، أنت صدقت يا سيدي أنا أعتذر لك”.
كل هذه الروايات تعكس قوة علاقته بناصر وخشية من هم حول ناصر من قوة هيكل وقربه من الزعيم ويكفي أنهم شاهدوا بأنفسهم ماذا حدث لمصطفى أمين استاذ هيكل عندما غضب عليه هيكل، ووجد الكاتب الكبير نفسه متهما بالتخابر والجاسوسية وأودع السجن سنوات عديدة حتى أفرج عنه السادات وكان السبب في ذلك كله وشاية من هيكل لناصر.
لكن ما سبب قرب هيكل من ناصر وتوتر علاقته مع السادات فيما بعد. في الشهور الأولى لثورة 23 يوليو سنة 1952 راهن هيكل على عبد الناصر، وكان محمد نجيب في تلك الآونة هو الرجل الأول “رسمياً”، ولكن هيكل رأى في عبد الناصر قائد الثورة “الحقيقي”، وكانت الوقائع أمامه تشير إلى أنه الرجل الأقوى في النظام الجديد.
سار هيكل وراء حدسه بأن عبد الناصر هو الرجل القادم في مصر وكسب الرهان وكسب دوره. وبعد رحيل عبد الناصر، راهن هيكل على أنور السادات، ولم تكن الوقائع تشير إلى أنه سيكون الرجل القوي في النظام الجديد، وكان قادة نظام عبد الناصر يمسكون بدفة الأمور في البلاد، وكسب هيكل الرهان من جديد ولكنه كاد يخسر نفسه هذه المرة، فقد فوجئ هيكل بالرجل الذي راهن عليه ودعمه وانحاز إليه في مواجهة خصومه، يطيح به في أقرب فرصة، وعند أول خلاف حقيقي، لم يطق السادات الخلاف معه، وخرج هيكل، ثم عاد واستعاد نفسه من جديد بعيدا عن قمة السلطة.
كان هيكل في ظل عبد الناصر واحداً ممن يستمع إليهم عبد الناصر، حتى أصبح اللسان البليغ في التعبير عن أفكار الزعيم، وأصبحت مقالاته مقروءة ومؤثرة، وأدى مهمته على خير وجه، وعبر عن أفكار الرئيس بصورة كان يقول عنها عبدالناصر: “هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله”.
ويضيف حماد: كان السادات يحسد هيكل على قربه من عبد الناصر. وكان يعرف، بل ويقول لهيكل: “لولا هذا الخط المباشر بينك وبين الراجل الكبير لكانت رقبتك طارت من فوق جسدك”، وكان السادات يذهب إليه في مكتبه، وينتظر، حتى يفرغ من أحاديثه مع الرئيس في التليفون.
السادات وهيكل
وعندما أصبح السادات رئيسا، بتخطيط مشترك مع هيكل، اختلفت طبيعة العلاقة مع السادات، فلم يكن هيكل يريد أن يواصل العمل في خدمة “سيد” جديد، بل أراد أن يكون شريكاً حقيقياً كان قد خرج من قمقم “التابع”، الذي ظل حبيساً داخله طوال 18 عاماً في ظل سلطة رجل استثنائي، وبدأ مسيرة علاقة دراماتيكية.
منذ البداية كما يقول حماد لم يكن السادات يستريح لهيكل، ولكنه كان في حاجة إليه، وتصورها هيكل فرصته لكي يستخدم السادات ولكن في النهاية ظهر أن السادات هو الذي استخدم هيكل فالسادات لم يكن سهلا، وكان يشعر بالدونية تجاه هيكل، ولم يقصر هيكل في ترسيخ هذا الشعور داخله خلال فترة عبد الناصر وحسب شاهد عيان فقد كان يعامل السادات معاملة “درجة ثالثة”.
كان هيكل قد شارك في صناعة شرعية السادات في أكتوبر سنة 1970، وأصبح مهندس تكريسها في مايو سنة 1971، ثم هو الذي صاغ أساس الشرعية الجديدة في أكتوبر سنة 1973، بعدما أطلق على السادات: “صاحب قرار أكتوبر العظيم”، ومع ذلك، لم يكن أمامه من خيار بعد 4 أشهر، إلا أن يرضى بهيكل الجديد، هيكل الملتزم، أو أن يحمل عصاه ويرحل بعيداً في الظل.
وفي العام 1977، وبعد استقرار الأمور للسادات أراد أن يقتلع هيكل من الذاكرة العامة حتى أمر بحبس هيكل مع الآلاف التي امتلأت بهم ساحات السجون في عام 1981 فيما سمي حملة سبتمبر الشهيرة.
مبارك وهيكل
في عهد مبارك بدت العلاقة بين هيكل ومبارك عادية لكن مبارك كان يعلم أن هيكل لا يكن حبا له بسبب قربه من السادات واختيار السادات له نائبا فضلا عن أن مبارك اختار أن يبحث عن رجال جدد له وليسوا محسوبين على الأنظمة السابقة، وهو ما يعني أن هيكل لن يكون صحافيا مقربا للنظام الجديد أو له دور استشاري كما كان يرغب مما اضطره أن يبتعد رويدا رويدا وينسحب من الحياة السياسية في عهد مبارك حتى عام 94.
في تلك الأثناء كان هناك حوار دائر حول مؤتمر مزمع عقده بالقاهرة عن حقوق الأقليات في الوطن العربي والشرق الأوسط ومن بينهم أقباط مصر. وهنا كتب هيكل مقالا نشرته إحدى الصحف المصرية أثار غضب السلطات المصرية ومبارك شخصيا وبعدها بأعوام قليلة كتب هيكل مقالا هاجم فيه مبارك بطريقة غير مباشرة وطالب برحيله عن الحكم ووصفه بـ “سلطة شاخت في مواقعها”.
وفي العام 2002 أعلن هيكل في محاضرة ألقاها في الجامعة الأميركية أن هناك مخططا واضحا لتوريث الحكم، كما زعم هيكل أن مصر حصلت على 100 مليار دولار في أعقاب حرب الخليج، وأن نظام مبارك ورموزه حصلوا عليها. كل هذا أزعج مبارك من هيكل لكنه لم يمنعه من الكتابة أو يأمر باعتقاله كما فعل السادات، بل إن نجلي هيكل نجحا في تكوين ثروات طائلة خلال عهد مبارك ولم يتعرض لهما أحد، وبعد ثورة يناير بدأت السلطات في محاسبتهما بتهم فساد مالي وفر الابن أحمد هيكل الى الخارج هربا من تلك الملاحقات.
الخلاصة أن هيكل أعلن عن تأييده الشخصي لمبارك في البداية، ودعا كل المواطنين لمساندته لينجح في أداء مهمته، وانتهى به المطاف للهجوم على مبارك في كتابه “مبارك.. من المنصة إلى الميدان”، واتهامه لمبارك بتكوين ثروة تقدر بنحو 70 مليار دولار، ولما طلب منه المدعى العام المستندات الدالة على صحة اتهاماته أنكر وقال إنها عبارة عن تقارير نشرتها صحف أجنبية وليس متأكدا منها.
خلال حكم مرسي ظهر هيكل في حلقات أسبوعية بعنوان “مصر أين؟ خلال فضائية الـ”سي بي سي”، وظل خلال تلك الحلقات ينتقد كافة ممارسات نظام مبارك ويدعو للنظام الجديد بقيادة الإخوان، وكان الرئيس المعزول محمد مرسي يستدعيه للقصر للحصول على مشورته ومساندته ومساندة جماعته، واستغل هيكل الفرصة للعب دور الصحافي المقرب من جديد ولكن جاءت ثورة 30 يونيو لتجهض أحلامه وتحبط مخططه.
هيكل والسيسي
علاقة هيكل مع عبد الفتاح السيسي، بدأت في مارس ٢٠١٠ عندما تولى السيسي رئاسة المخابرات الحربية، فقد تحدث عنه هيكل وأشاد بكفاءته وقدراته، وبعد ثورة 30 يونيو 2013 قال هيكل إن المعلومات التي وصلته عن السيسي مباشرة، وينتظره مستقبل كبير، ويرى فيه ناصر آخر في مصر بل يراه أكثر الأشخاص المؤمنين بأفكار عبد الناصر.
العلاقة انقطعت فجأة بين السيسي وهيكل
هيكل سر كثيرا عندما سمع كلمات السيسي عنه وشعر بالفرصة تأتيه من جديد وفي أرذل العمر عندما أبدى السيسى إعجابه الشديد به، وقال إنه قرأ كل كتب هيكل، ووافق السيسي على مقابلة هيكل والجلوس معه، واستمر اللقاء ٣ ساعات، كان هيكل فيها هو المستمع، والسيسي هو المتحدث وكانت تلك هي آخر مقابلة بينهما، فقد كان السيسي وزيرا للدفاع وقتها وبعد وصوله للرئاسة اختفى هيكل من قائمة المحيطين بالرئيس ولا يعلم أحد حتى الآن ما سر الفتور الذي أصاب العلاقة بينهما؟ لكن الأمر المؤكد أن السيسي هو من قرر الابتعاد عن هيكل فقد تغير الزمن ولم يعد الصحافي المقرب من الرئيس فكرة تجد دعما أو رغبة وقبولا من السيسي.
العربية