عبد العظيم صالح : تايتنك
عندما تبدأ المياه تتسرب رويداً رويداً داخل السفينة، فهذا ينذر باحتمالية غرقها، ويعطي المسؤولين فرصة
للنجاة بسفينتهم وتفادي الغرق إذا قاموا «بالتحوطات» السريعة، وبذلك يستطيعون نجدة ركابها.. أما إذا تجاهلوا تلك «التسربات» فإن النهاية الحتمية هي «الغرق»، عندها لن يستطيعوا بكل قوة الأرض أن يوقفوا بركان المياه المندفع والذي قضى على تلك السفينة الضخمة وجعلها حطاماً بعد أن كانت تعتز بقوتها وإمكانياتها التي شهد بها العالم.. ولكن هنالك خلل جعل المياه الهادئة تهيج على السفينة وتتسرب إلى الداخل، وزاد ذلك الخلل دون وجود معالجة له من المسؤولين عنها، مما جعل تلك المياه تفقد صبرها وتثور عليهم رغم ضعفها وضخامة السفينة.. إلا أن روح الثورية والغضب كانت أقوى وأنهت ذلك الجسم الذي حيّر العالم بضخامته وجعلته هياكل بالية في عمق المحيط.
وتايتنك هذه أشبه بحالنا الذي نعيشه ويبقى الاختلاف في المسمى فقط..
فسفينتنا التي تقودنا تتفق مع تايتنك في الضخامة والقوة وفي كل مراحل زهوئها وغرقها، حيث استغلت كل طاقات ركابها في تقوية هيكلها واستأثرت بجماعتها في طوابق الدرجة الأولى تاركة بقية الركاب في الدرك الأسفل يأكلون من فتات الطبقات العليا مرغمين وصابرين على ذلك ينظرون للطبقات العليا وهم يستمتعون ويتبهرجون بمجهوداتهم ومغلوبي الحيلة على إظهار أي رد فعل واقعين بين خيارين إما الصمت وتحمل الظلم أو الاعتراض عليه وعندها سوف يكونون لقمة سائغة للتماسيح، فعليهم التحمل والانتظار وهذا مافعلوه وأصبح حالهم أشبه بتلك المياه التي حملت وتحملت أضخم سفينة.. ورغم ازدياد خلل السفينة إلا أن المياه مازالت هادئة وزاد عمق الخلل وزادت المياه صبراً وحفاظاً على سكونها ليس ضعفاً، بل إنها بذلك تعطي المسؤولين فرصة لإصلاح سياساتهم ولكي ينتبهوا أن ذلك الصمت على المعاناة والظلم وغض الطرف عن الخلل الذي بات ظاهراً وقاهراً لهم دون وجود سبل لمعالجته لن يمضي ذلك متخفياً عليهم، وبقدر الخطأ والظلم يكون رد الفعل.. وبالتالي فإن المياه في سفينتنا هذه لن تتسرب كما في تايتنك، بل إن هدوءها سوف ينقلب إلى عاصفة غاضبة تقلع السفينة من جذورها وتهوي بها إلى قاع البحار ولن يبقى لها حطام ولاتنفع وسائل الإنقاذ في إنقاذها وتضيع مجهودات الإنقاذ سدى.
ناهد عباس
من المحرر..
ناهد عباس من الصف الحديث في اخر لحظه، ان صحت التسميه، تعمل محرره في قسم التحقيقات. والصحفي في هذا النوع من التخصص يري ما لا يراه زملاءه في بقيه الاقسام. انه يغوص بعيدا في الاعماق، وينقل مشاهداته.. ويحملها للسطح بعد معاناة ومشقة.
ناهد بحكم تخصصها ايضاً في التاريخ اضافه للاعلام استدعت التاريخ. تاريخ غرق أشهر باخره في الارض «تايتنك» التي كادت أن تدخل عالم الأساطير والغرائب ولا زالت البشرية تسمع كل يوم تفاصيل جديدة عن قصة الغرق المفاجئة رغم كل التجهيزات والاستعدادات التي وجدتها.
من كل هذا رسمت (ناهد) صوره قاتمة لواقعنا اليوم وشبهته بالباخرة المنكوبة، واطلقت صفارة إنذار عاليه للبحارة عندنا للاسراع بتلافي الغرق والتلاشي.
لا أدعوا لمسايرة النظرة بكل تشاؤمها ومع ذلك يبقى أهمية الالتفات لكل هذه الصفافير والإنذارات والملاحظات.. وقديما قالوا النار من مستصغر الشرر.