من يحتاج إلى الآخر؟
خلال الفترة التي أشرفت فيها على إدارة العلاقات العامة بشركة الاتصالات القطرية (كيوتل سابقا و«أريدو» حاليا)، كان همي الأول إقناع كبار المسؤولين في الشركة بأن حاجتنا إلى الصحفيين أكبر من حاجة الصحفيين إلينا، بمعنى أن الشركة بحاجة إلى وسائل الإعلام للتواصل مع الجمهور، وتحسين سمعتها وشرح سياساتها للمشتركين في خدماتها، في حين أن وسائل الإعلام لن تفلس إذا قاطعت أخبار الشركة وأحوالها.
نعم، هناك مصالح متبادلة بين وسائل الإعلام ومختلف المؤسسات والدوائر العامة والخاصة، ولكن كثيراً ما تتعامل بعض تلك الجهات بعجرفة وصلف مع الصحافة، بحسبان أن الصحف تستجدي الأخبار والتقارير والإعلانات، أو بسبب سوء الظن بالصحافة. وهذا «فهم» قاصر وخاسر، يجعل إدارات العلاقات العامة في خندق معادٍ للصحافة، فكل ما تنشره الصحف «لا أساس له من الصحة، ولو اتصلوا بنا لتحري وتقصي الحقائق لما وقعوا في مثل ذلك الخطأ الشنيع». وهذه العبارة من «محفوظات» نشرات العلاقات العامة في كل الدول العربية؛ لأنّ القائمين على الأمور الإدارية والتنفيذية يعتقدون أن مهمة العلاقات العامة هي الكذب و«البكش» والتضليل والقيام بدور الرقيب على الصحف، وكل صحفي يعمل في مجال الأخبار المحلية يعرف أنه لا يجوز له كتابة سطر واحد عن أي وزارة من دون الرجوع إلى جماعة العلاقات العامة فيها ليزودوه بمعلبات صلاحيتها منتهية.
وقياساً على ذلك فإنّ حاجة أي بيت إلى خادمة أكبر من حاجة الخادمة للعمل في ذلك البيت! وفي كل البيوت تقريباً في العالم العربي تكون الخادمة مطالبة بالعمل لنحو 16 ساعة يومياً: الطبخ والكنس والغسل والكي و…. التربية (إذا كان في البيت أطفال) وبعض ربات البيوت يكلفن الخادمات – فوق كل ذلك – بالقيام بالمساج (التمسيد/التدليك)، ومنهن من يكلفهن بمساعدة العيال على أداء الواجبات المدرسية (هناك اعتقاد غبي بأن الفلبينيات يجدن الإنجليزية، فيتم تكليفهن بتدريس تلك اللغة للعيال فتكون النتيجة أن يقول الطفل «بلاي» بمعنى «يلعب» وهو يقصد «فلاي» بمعنى يطير؛ لأنّ الفلبينيين يقلبون الفاء باء)، وبلاش نتكلم عن التحرش بهن.
ويحضرني هنا ما كتبه الصحفي القطري جابر الحرمي عن شخص اتصل به ليقول له إنه لو خُيّر بين زوجته وخادمته لاختار الخادمة، لأنه انتبه إلى أنه كلما طلب شيئاً ما من زوجته، أحالته إلى الخادمة حتى لم تعد الخادمة بحاجة إلى توجيهات الزوجة، وصارت توفر كل ما يحتاج إليه الزوج من دون أن يطلب منها ذلك، فيعود إلى البيت ليجد الطعام ساخناً ويصحو في الصباح ليجد ملابسه مكوية ومرتبة، وسيارته نظيفة والشاي وكوب العصير مع إفطار خفيف.
وفي صحيفة كويتية قرأت ما كتب عن خادمة فلبينية اسمها ميران جوزا كانت مكلفة برعاية طفل صغير رعاية شامة بما في ذلك النوم معه على سرير واحد.. وذات يوم انتبهت أم الطفل إلى صرخاته العالية وفتحت باب الحمام ووجدت الطفل عارياً ومعه الخادمة عارية.. كان جسم الطفل مدهوناً بمبيد حشري بينما كانت هناك صراصير وعناكب ونمل وبعوض وضب موزعة على جسمه.
لم تكن الخادمة تقصد إلحاق ضرر بالطفل، بالعكس: تقول الخرافات في بلدها أن ما فعلته بالطفل كفيل بجعله يتعلق بها.. كان الطفل كثير البكاء وخشيت المسكينة أن يتم طردها إذا لم تنجح في ترويض الطفل فلجأت إلى الخرافات والسحر الأسود.. وتم تسليم الخادمة للشرطة.. وعجبت لأنّ الصحيفة لم تقل شيئاً عن تقديم «الأم» للقضاء العراقي!!
jafabbas19@gmail.com