هاشم كرار : التراب لا يحجب عنا امهاتنا!
ما أبأس الفم الذي لم يعد ينادي يا.. يأمي!
تخيلته فم صديثي الصحفي- ضياء الدين بلال- تتوارى فيه الإبتسامة إلا قليلا، وتذبلُ فيه –إلا قليلا- ضحكته تلك الشهيرة المتميزة، وأمه عرفه ترفرف بجناحي الروح، بعيدا إلى الأعالي، بين أذان الجمعة والعصر.
إن الإنسان، لفي خسر، حين يفقد أمه، أيضا.
العثرات في هذه الدنيا كثيرة، ولا أستثني منها عثرات لصديقي ضياء- رغم أنه يحسب خطواته بميزان عقله وضميره، لكن من أين لضياء” اسم الله عليك يا إبني”، حين يتعثر.. تقولها أمه عرفه، بلسانها ذلك الرطب الرحيم بذكر الله، في هذه الدنيا.
لا أبكيه أكثر. سأجمله أكثر بالصبر الجميل: دعاء الأم- أي أم- لا ينقطع ياصديقي. من البرزخ ينقر بلطف باب الرحمن، فتأتينا دعواتها، تظللنا في هجير الدنيا، مثل غيمة.. وتبلل أرواحنا الظمأى، فيا.. يا لمشرب دعوات الأمهات الذي مذاقه كافورا.. ويالهن، والجنة تحت أقدامهن المباركات.
التراب- ذلك الذي خلقنا منه الرب الخلاق وإليه يعيدنا- لا يحجب منا الأمهات.. ولا يحجب منا جملة الحابيب.. وفي ظني – بل في يقيني- أننا لسنا بمحجوبين عنهم.. ولئن كانت في جماجمنا هذه الذاكرة التي تختزن ملامحمهم وأقوالهم وإبتسامتهم وضحكاتهم وطريقة مشيتهم، فانهم يكلموننا، أو ليسوا هم- الأموات- يردون علينا السلام، متى ماسلمنا على دار قوم صامتين؟
السلام عليك يا أمي، ويا عرفة، وياكل أم، تدعو لنا، من دار القوم الآمنين، غير أن أذاننا من فرط كل هذا الصخب الحياتي، صماء، حتى إذا مامشينا إليهم، وكُشف عنا الغطاء،كانت مثل أبصارنا، حديد!
السلام عليكن، ياجملة الأمهات في هذه الدار، وفي تلك..
ويا أيها الأبناء، الذين خرجوا- وتلك بدهية- من رحم كل أم رحيم، لنجعل من كل يوم، يوما للأم، نقبل رأسها.. ورجليها، نقولُ لها” أحبك” وجناح الذل من الإمتنان منا إليها، خفيض.
تلك أجمل هدية للأم- أي أم- في هذه الدنيا.
في عيد الأم- العام الفائت- طعنت أوباما غصة، وطيف أمه يرفرفُ عليه.. أزاح الغصة، وابتسم يقول لأبنتيه وهما معا- واحدة بعد الأخرى- تطبعان قبلتين على جبين ميشيل: “ماليا وناتاشا، لكم أنتما محظوظتان.. حقا”!
صدق أوباما..
قبلة على جبين الأم، ترطبُ الفم، وتطيّبه.
ما أصدقه: كل من له أم، وهو يطبع على جبينها قبلة في هذه الدنيا، محظوظ.
الأم رحمة..
وحين ترحلُ الأم، ترحلُ بعض الرحمة، بيد أن هذا البعض الذي ارتحل، لا يلبث أن يأتينا من البرزخ” “اسم الله عليك يا إبني” متى ماتعثرنا، وطريق الدنيا إلى البرزخ كله عثرات.. وعثرات!