لك التحية يا هبة بائعة الشاي..فتحية موسى السيد
لكن الاحترام والتجبيل وانتن تكافحن من وراء لقمة العيش من اجل ابنائكن بالرغم من نظرة المجتمع الضيقة لهذه الشريحة الكادحة، وهن بائعات الشاي ان صح التعبير بمفهومي المتواضع، لكن يصر المجتمع على مناداتهن بـ «ستات الشاي» لأنهن طرقن كافة ابواب سبل كسب العيش فلم يجدن وسيلة سوى بيع الشاي، خاصة أن الدولة فشلت في تقديم ابسط الخدمات الاساسية، فلم يجدن بداً من ذلك فخرجن فى الشوارع يبعن الشاي كوسيلة تقيهن مذلة السؤال لصون الكرامة وحفظها لأنها اصبحت تجابه كافة المسؤوليات ومتطلبات النواحي الحياتية سيما بعد تخلي وتنصل الرجل ان كان موجودا من كافة مسؤولياته، لأن هناك بالضبط «ازمة رجولة» لأنها ببساطة تقع على عاتقها جميع المنصرفات المنزلية وخارجها من دفع رسوم المدارس، علماً بأن الدولة عجزت عن دعم التعليم والصحة خاصة للشرائح المُعسرة والمنكوبة، وكم من الاشياء المُلحة قد لا يسعنا المجال لحصرها ظلت تواجهها بائعة الشاي وهي تكافح في صمت ولسان حالها يقول لها «يا حاجة امنة اتصبري عارفة الوجع في الجوف شديد وعارفك كمان ما بتقدري»، لكن تحليها بالصبر فاق حد الاحتمال ولم تنج من الانتقاد حتى من رجال الدين عندما صوب شيخ كمال رزق انتقادات حادة الى بائعات الشاي وما سماها الممارسات اللا أخلاقية التى صاحبت احتفالات رأس السنة الميلادية العام الماضي، ووصف منظر كراسي بائعات الشاي فى الطرقات والارصفة بغير اللائق، وقال: «مافي دولة محترمة شوارعها مليانة كراسي بائعات شاي»، وكان الاجدر بالشيخ كمال رزق محاسبة الدولة قبل بائعات الشاي، وما يجب توفره لتلك الفئة والبحث عن مكامن الخلل. وهناك بائعات بالفعل يستحقن الاحترام والتحية والتبجيل حقاً لأن خروجهن للشارع له اكثر من مبرر، وليس للهو والمجون كما يصفهن البعض خاصة ان «الشر يعم والخير يخص» فلسن جميعهن سيئات، بل اغلبهن يكدحهن من اجل اللقمة الحلال، واليكم أنموذج لسيدة كافحت وما زالت تكافح من اجل ابنائها، وهذا جانب من مأساتها وبعض معاناتها، وتحكي هبة التي انتحت جانباً من الخطوط السعودية بالاستاد وجلست بالصدفة الى جانبها، والشيء الذي جذبني لمعرفة قصتها ومشوارها مع مهنة بيع الشاي ما يرتسم على قسماتها من حزن دفين لتقول: سافر زوجي منذ زمن طويل الى الجماهيرية العربية الليبية، وحتى الآن لا نعرف عنه شيئاً حياً او ميتاً، وترك لي ولدين الاكبر بمرحلة الاساس، اما الاصغر فعمره عام واحد، وطرقت كل السبل حتى استطيع تربيتهما ولكن دون جدوى، وأخيراً قررت ان اعمل اي عمل حلال للصرف على بيتي واولادي، فاشتغلت بائعة شاي بالرغم من المتاريس واستنكار الأهل للمهنة، إلا انني استطعت من خلالها أن أقوم بواجباتي تجاه تربية الولدين، بل وعلمتهما وعكفت على ذلك الى ان امتحن الاكبر الآن للجامعة، ولم يخيب ظني فيه نجاحه، وكان ثمناً لمرارات كثيرة، والحمد لله لقد عانيت كثيراً من المضايقات الاجتماعية خلال عملي طيلة السنوات التي قضيتها في بيع الشاي، وتغلبت عليها بفضل اصراري على تربية اولادي تربية نظيفة وسوية دون الحاجة او سؤال الناس، وهناك معاناة عمال المحلية فهم لا يتركون بائعات الشاي في حالهن، وتتساءل: لماذا لا يتركوننا نتفرغ لتربية اطفالنا بالحلال؟ وتعاني هبة من هذا الشيء كثيراً، وإن كانت قليلة الشكوى فإن ملامحها تشير الى ان الحاجة وليس سواها ما جعلها تصطلي بنار الجمر التي تضع عليه كفتيرة الشاي التي تعتبرها مصدر الدخل الوحيد طيلة سحابة يومها، ورغم المعاناة إلا انها ظلت تبعث بابتسامتها المعهودة لزبائنها التي تخبئ وراها مرارة سنين ظلت تعانيها هبة كثيراً، اهمها شظف العيش وضيق الحيلة، وهي امرأة لا حول ولا قوة لها تجابه عواصف الحياة وحدها والزوج غائب، فهل لها من معين؟ لك يا هبة كل الاحترام والتقدير وانت تكافحين من أجل ابنائك .
الانتباهة