ماذا تركتم للبرلمان!!
جاء الرجل عارياً إلى مضارب العشيرة.. ومبتدأ القصة أن صاحبهم كان له صوت مرتفع في كل جولة.. مع كل حكاية يدعي البطولة المطلقة .. ومن سوء حظه أن قطاع الطرق وجدوه ذات مساء في أطراف القرية.. فنهبوه وحتى يريقوا ماء وجهه نزعوا ملابسه ولم يتركوا له سوى طاقيته الحمراء التي اشتهر بها بين الناس .. وحين وصل الرجل إلى الأهل التفوا حوله مواسين ولكن كان لسان حالهم دهشة عن سر الطاقية الحمراء.. وواصل الرجل (الفوجاج) قائلاَ للجماهير “والله لو وصلوا الطاقية كان الدم وصل الركب”
تذكرت تلك الواقعة ورئيس البرلمان يعلن تراجعهم عن مطالبة وزير المالية بالتراجع عن زيادة أسعار الغاز..البرلمان تراجع بعد أن أشهرت رئاسة الجمهورية بطاقة التأييد للوزير بدرالدين فيما فعل وسيفعل..رئيس البرلمان أكد أنه التقى رئيس الجمهورية واتفق معه على حدود وصلاحيات الجهاز التنفيذي والجهاز الرقابي حتى لا يحدث تغول ..ختم البروفيسور إبراهيم أحمد عمر القول “ الجهاز التنفيذي لم يلغ دورنا ولا يستطيع فعل ذلك”.
السؤال أين بدأت الأزمة .. وزير المالية تحدث أمام البرلمان قبيل إجازة الموازنة مؤكدا أنه ليست هنالك خطة لرفع الدعم عن المحروقات.. على إثر ذلك صفق النواب للموازنة واعتبروها فتحاَ اقتصاديا .. قبل أن يمضي شهر على تلك الإجازة قام وزير المالية برفع أسعار الغاز بنسبة (٣٠٠٪)..كل مافعله الفريق الاقتصادي أن استخدم الهاتف ليبلغ رئيس البرلمان بالزيادة الكبيرة ونقض الميثاق .. لم يبتلع البرلمان الإهانة ويصفق مجددا للوزير.. بدأ الحديث عن جمع التوقيعات لعقد جلسة طارئة ..وأحاديث أخرى عن تكليف لجنة برئاسة الدكتورة بدرية سليمان للتصدي للأزمة.. هنا تعامل البرلمان بما يمليه عليه واجبه كجهاز رقابي .
في تقديري .. كان من الأفضل إتاحة الفرصة للبرلمان ليمارس دوره ولو في فضاء محدود.. لم يكن أحد يتوقع أن ينجح البرلمان في تبني توصية بإعفاء وزير المالية.. وإن نجح في تلك المهمة العسيرة وصوت بالإجماع لعزل الوزير ماكان من الممكن أن تستجيب رئاسة الجمهورية لرجاء البرلمان غير المسنود بنص دستوري..قواعد اللعبة السياسية في السودان لا تقر بفصل السلطات .. البرلمان والحكومة والحزب والحركة الإسلامية كلها هرمياً ينتهي نسبها لرئيس الجمهورية ..رغم تلك الحقائق كان بإمكان البرلمان أن يصنع بروفة أو مسرحية من فاصل واحد تؤكد للشعب السوداني أن هنالك جهاز واحد في الدولة يستطيع أن يقول (تلت التلاتة كم).
لو أن هنالك درس واحد يمكن استلهامه من أزمة الغاز أن طريق الإصلاح ما زال طويلاً.. الذين يجتمعون في الأشهر الماضية بقاعة الصداقة ويظنون أن بالإمكان اقتسام السلطة مع الإنقاذ عليهم أن يتوقفوا في درس أزمة الغاز ..الحكومة الحالية ومن طول الانفراد بالحكم لم تعد تستسيغ الهمهمات المعارضة فهل بالإمكان أن تسمع هذه الحكومة لصوت معارض ويحمل مشروعاً فكرياً مخالفاً.
بصراحة..انتهت أزمة الغاز بصمت الجميع.. ولكن من هنا بدأت أزمة الإنقاذ التي لا تريد إلا سماع صوتها وتستنكر حتى الصدى.
كل الشعب يعلم ان هذا البرلمان لايهز ولاينش لأنه يصرف راتبه من الدولة وبالتحديد كل حوازفهم من وزارة المالية وكذلك الكل يعلم بأن السودان يدار بحكم الرجل الواحد حتي وان اجتمع البرطمان كله علي انقاص سعر الغاز واعفاء الوزير فإن من يديرون الدولة فسوف تكون كلمتهم هي العليا
صحيح ان حادثة الغاز جعلت البرلمان فى وضع لا يحسد عليه بالمرة . اذ قد تم تقزيمه بصورة لا مثيل لها فأصبح فى حالة يرثى لها ولكن المؤسف حقا هو ان قرار زيادة سعر الغاز يجعل الجهاز التنفيذي ايضا فى حالة تستدعى المزيد من الرثاء .فالحكومة ظلت على الدوام تلجأ لزيادة الأسعار و الضرايب والجمارك والدولار الجمركى ولكن كل ذلك لم يزدها ولم يورثها الا مزيدا من الفقر.وذلك لان المشكلة اكبر وأعقد من ان تحل بمجرد زيادة الأسعار .