استفتاء لا يشارك فيه الأمير..!!
استمتعت قبل أيام بقراءة «بروفايل» نشرته صحيفتكم «آخرلحظة» عن الأمير الوزير أحمد سعد عمر.. لم يكن الاستمتاع من باب أن الوزير نقل فؤاده بين الأحزاب السياسية.. شب الأمير عضو في جماعة الإخوان المسلمين.. حينما بات كهلاً استند على كتف إمام الأنصار الهادي المهدي.. وحينما صار شيخاً أصبح قريباً من مولانا الميرغني بل في كثير من الأحيان يبدو كأنه الرجل الأكثر إمساكاً بالتفاصيل.
مصدر متعتي أن الأمير ورث اللقب مرتين أولاهما عن جده لأمه السلطان علي دينار والثانية أنه حفيد ملك الجعليين المك مساعد.. المشكلة الآن أن حفيد سلطان دارفور لن يستطيع أن يدلي برأيه في الاستفتاء الإداري لدارفور.
بداية اعتقد أن قيام استفتاء دارفور أمر في غاية الأهمية، وذلك من باب الإيفاء بالعهود والمواثيق.. طالما أن اتفاقية الدوحة نصت على هذا الترتيب يبقى من الواجب الالتزام به.. كما أن نتائجه مها كانت تعتبر مؤشراً حول ما يطلبه أهل دارفور .. هذا المؤشر مطلوب جداً في محاولات الوصول لتسوية نهائية لملف الصراع في السودان.
إلا أنه لفت نظري أن الذين بإمكانهم المشاركة في الاستفتاء هم المقيمون في الإقليم قبل ثلاثة أشهر من التسجيل.. هذا الشرط يبعد النخبة الدارفورية من إخوة وزملاء الأمير أحمد سعد عمر.. كل هؤلاء وصلوا إلى السلطة باعتبارهم يمثلون أهل دارفور.. حتى الذين هجرتهم الحرب إلى معسكرات اللجوء في الدول المجاورة لن يكون بوسعهم الإدلاء بأصواتهم في تحديد مستقبل بلدهم الجريح.. أما الذين نزحوا إلى المغارب القصية وطلبوا اللجوء السياسي فربما لن يكون بوسعهم حتى التبشير برؤيتهم السياسية.
المنطق الذي تم استخدامه في تحديد مواطني دارفور فيه كثير من الاعتلال.. النظرة لهذا الاستفتاء باعتباره أمراً يخص الخدمات فيه كثير من التسطيح السياسي.. معظم المطالبين بالاستفتاء يستبطنون وجود خاصية تاريخية لدارفور التي عادت متأخرة الى السيادة الوطنية.. تاريخياً كانت هنالك ممالك في دارفور كما كانت هنالك ممالك في سنار وسوبا والعبدلاب.. معظم هذه الأجزاء اتحدت في عهد الدولة المهدية التي انطلقت من أقصى الغرب.. بل إن السلطان علي دينار كان أحد قادة هذه الدولة المركزية.. إلا أن عودة دارفور للدولة المركزية في العام 6191جعل هنالك إحساساً بالذاتية المنفصلة.. بل هذا الإحساس يصل أحياناً مرحلة المطالبة بتقرير المصير التي وردت غير مرة على لسان مني أركو مناوي قائد أحد الحركات المسلحة في الإقليم.. هذا يعني استبعاد الدوافع السياسية حول الاستفتاء أشبه بذر الرماد في العيون.
رغم هذا البعد السياسي إلا أنني مطمئن أن الدارفوريين لن يختاروا أبداً الانفصال عن وطنهم الأم.. بل حتى التمييز الإداري في إقليم واحد لن يكون خيار أغلب أهل دارفور.. نظام الولايات جعل السلطة قريبة من الناس وعمق الخلافات بين مكونات دارفور، سيجعلها تختار أن تكون في ولايات متعددة لا إقليماً واحداً.. لهذا كان من الأفضل توسيع المواعين ليقول أهل دارفور كلمتهم.
في تقديري.. يحب أن يسمح لكل مواطن ولد في دارفور أوعاش فيها على نحو متصل لمدة تتجاوز الخمس سنوات أن يشارك في هذا الاستفتاء.. بل سيفقد هذا الاستفتاء قيمته إن لم يشارك فيه اللاجئون إلى دول مجاورة كتشاد.. هؤلاء هم ضحايا الحرب الذين ضاقت بهم الأوطان.. بل من المهم أن يشارك كذلك أهل دارفور في دول الشتات في إبداء رأيهم وهنالك تجارب كثيرة في تمكين المهاجرين من المشاركة من مهاجرهم.
بصراحة.. من المهم جداً أن يكون هذا الاستفتاء معبّراً عن جميع أهل دارفور حتى لا يكون مجرد إهدار للمال العام.