في قطعِ الرِقاب.. ومن ينظُر لذلك نظرة إيجاب!..
إفادات مقتضبة رَسَمت بشكلٍ فاضحٍ المستقبل القاتم في ما يلي انقسام الصف المُسلم.. وأعني بذلك تلك التي تلت إعدام «47» ممن أُدينوا بالإتيان بأفعال تستوجب سمل الأعيُن وضرب الرِقاب.. إذ أن الّذين وقفوا مؤيدين للأحكام، استندوا في ذلك على حقن الدماء ودرء الفتنة الكبرى، كما وجدوا في إعمال الحدود رادعاً وخير حفيظ.. أما أولئك الذين ثاروا وأتوا بأفعالٍ رادةٍ على تطايُر الأعناق، ما كان رفضهم لِيتوقف على مأتاهم ذاك، مما يجعل من المستقبل ساحة قابلة للانفجار.
المستقبل إذن قاتم.. ولعلي لا أقف متشائماً من فراغ.. وإن كان مقطوعي الرِقاب، قد مضوا إلى الله على ما أراد، فإن تيّارين عظيمين ينُظران إلى ذلك بغير تسليم أو استسلام، فأحدهما هاج وماج وجاهر بالرفض لمقتل قيادات شيعية، فكانت النتيجة أن تضررت بعض السفارات والمقار الدبلوماسية لِقاطِعَة الرِقاب، ثم تقطّعت العلاقات، أما التّيار الآخر ـ وأعني أنصار غالبية الذين ضُربت أعناقهم وهم من تنظيم داعش ـ فلم نسمع لهم هياجاً، إنما توعدوا بالمناسب من مأتى.. وهم في هذا الشأن شديدو البأس، لا تلين لهم عزيمة ولا يُرد لهم وعد والأدِلة على ذلك وفيرة، ولا أُريد أن أُعدد وأعيد، فالتاريخ يحتفظ بأفعالهم التي لا تمُت للتديّن بصلة، إذ يمارسون ذات قطع الرقاب ويتعدونه إلى الترويع والتفاني في سفك الدماء بصورة تقشعر لها الأبدان.. لكن دعوني أوجه الأنظار إلى بعض الاستفهامات.. ومنها: اصطراع الأُمة المسلمة وتقتيل بعضها بعضاً، فيم؟ ومن المستفيد؟ وهل هناك من يُنظر لهذه المقتلة نظرة إيجاب؟
الأكيد أن استدراكاتنا لمآلات حمّامات الدم المسلم عقيمة.. وهذا مرده إلى التحديق في النصوص، وتقليد التراث، وانتظار المعجزات. وإذا تتبعنا تاريخنا الإسلامي الطويل وحتى الآن، نجد أننا انتهجنا نهج الفُتوحات، ولم يكن ذلك إلا لكبت النقاش الداخلي «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» ومنع التحليق في النصوص للخروج برؤية جديدة وفهم متطور كان بإمكانه توسيع دائرة القبول للآخر المسلم، وإن كان لا يعتقد في الفتوحات بالجهاد ضرورة طالما أن هناك حواراً وحجة ومنطقاً وبرهاناً، أو كان لا يرى للإسلام عزاً إلا بالجهاد وضرب الرقاب.
واحد من إشكالات تعثر استدراكات الأُمة المسلمة لما قد ينتُج عن انقسام صفها، هو المرجعية المُستند عليها أو التراث ـ كما أسلفنا ـ وفهم النصوص كما فُهمت في سالف الحقب والأزمان، فالذين تقدموا بشرح هذه النصوص معذورون لأن تحديات وحدة الصف لم تكن تحدياتهم، وما كانوا منشغلين بتقديم نسخةٍ جديدةٍ، تتمدد في الفراغ الناتج عن فشل الحداثة الغربية، وما نتج عنها من اجتهادات الغرب المستميتة والمستمرة لصد كافة محاولات تقديم الإسلام كبديل، وذلك بإضعاف المسلمين وتمكين بعضهم من بعض الرقاب.
نحن أصحاب الرسالة الخالدة والدعوة الشاملة التي تتجاوز المسلم إلى البشرية كلها، فكيف لا نجد السبيل للتحاور كأصحاب ملة واحدة بتقديم الأنموذج المتسامح، الوقّاف عند الحق الشديّد عند الباطل القوي في ما يلي الدين.. بدلاً من تقديم نُسخة مشوهة تتلذذ بإراقة الدماء.. إذن فالمنتظر لتصحيح المسار كثير، لكنه لن يتأتى إلا بالتحليق في الآفاق الرحبة، لا بالتحديق في المساحات المحدودة والأسيجة المغلقة.
عصام الحسين
الانتباهة