(البعوض) و(الصرف الصحي) .. أزمات متجددة تحاصر العاصمة
ثمة معالم أزمة بيئية باينة تهدد العاصمة المثلثة هذه الأيام، فمع تعالي أصوات الاستغاثات لحل مشكلة النفايات، أطلت أزمة انتشار البعوض بصورة مكثفة لتشكل ملامح كارثة بيئية جديدة، تضاف لسلسلة من الأزمات التي تعاني منها أحياء الخرطوم وأم درمان وبحري. واتسعت هجمة البعوض حتى غطت جميع الأحياء بالعاصمة، مما جعل الكثير من الأمراض تبدأ في الانتشار مؤخراً، ولا توجد أي جهود ملحوظة من الجهات المختصة لمكافحة البعوض.
ويبدو أن سبب معاناة العاصمة من البعوض حالياً، هو معاناتها الكبرى من وضع بيئي سيئ، ناتج بدوره من تكدس النفايات وتراكمها بالولاية، في الشوارع وأمام المنازل والميادين، والتي لا زالت الولاية تعجز عن ترحيلها والتخلص منها. وقد فشل المسؤولون المتعاقبون على الولاية في إيجاد حل جذري لهذه المشكلة التي ظلت تؤرق المواطنين، ويدفعون بسببها ثمناً من حياتهم وصحتهم.
حملات رش يومياً
لكن مدير الشؤون البيئية والصحية بولاية الخرطوم د.”أحمد البشير” في حديثه لــ(المجهر)، قلل من انتشار البعوض بكثافة هذه الأيام، واعتبر أن الولاية في غضون الفترة المقبلة ستنتهي من هذه المعضلة. وأضاف بأنه على مستوى محلية الخرطوم، فإنها تقوم يومياً بإخراج (3) حملات رش رذاذية مسائية للقضاء على البعوض، تغطي كافة وحدات المحلية.
وأرجع د.”أحمد انتشار” البعوض إلى بعض الكسورات بمواسير المياه.
ولا يرى د.”أحمد” بأن المسألة مخيفة، خاصة وأن الخرطوم تتعرض ما بين فترة لفترة، لحملات من البعوض المكثفة ولديها القدرة على تدارك الأمر.
أزمة مبيدات
غير أن ضابط صحة بمحلية الخرطوم، رفض الكشف عن اسمه، تحدث لــ(المجهر)، وقال إن هنالك عجزاً في توفير المبيدات من قبل وزارة الصحة بولاية الخرطوم بصورة كا، تجعلهم يقضون على البعوض الذي انتشر.
وعزا الأمر إلى التكلفة العالية لجلب هذه المبيدات خاصة في ظل ارتفاع سعر العملات الأجنبية، مقارنة بالجنيه السوداني. وأشار إلى أن وزارة الصحة توقفت عن رش المبيدات في الأيام الأخيرة، وذلك لعدم وجود ميزانية مخصصة للمبيدات.
وأضاف خلال حديثه لـ(المجهر)، إلى أن السبب الرئيسي في انتشار البعوض يرجع إلى تكدس النفايات بالشوارع، وعدم استمرار عربات النفايات بالنظام الدوري لأخذ الأوساخ. ولكن ذات المصدر عاد، وقال بأنه حتى لو داومت عربات النفايات على أخذها، فأين سيذهبون بهذه الكميات من النفايات؟
واعتبر بأن الخلاص من الأزمة يكمن في إيجاد حلول لإبادة النفايات، وردم الحفر والمجاري بالولاية، خاصة المنتشرة بشدة في الأحياء الطرفية من الكلاكلات والحاج يوسف، وعدد كبير من أحياء أم درمان. وهي ذات الحفر التي تتكدس بها مياه الأمطار دون تصريفها أو جفافها، مما يساهم في توالد البعوض.
وبدا واضحاً عدم رغبة عدد من الضباط الصحيين بمحلية الخرطوم وبحري، في التحدث إلى الصحافة وتهرب البعض، من أسئلة (المجهر) بحجة عدم السماح لهم بالتصريح للصحافة.
مسؤولية تكاملية
الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة بولاية الخرطوم د.”معز حسن بخيت”، اعترف بانتشار البعوض بصورة مكثفة ولكنه قلل من المخاوف السائدة بأنها قد تسبب أمراض الملاريا. وقال خلال إفادته لــ(المجهر) بأن وجود البعوض لا يعني انتشار مرض الملاريا، مشيراً إلى أن نوعاً معيناً منه هو الناقل للملاريا. وأوضح أن أزمة انتشاره مسؤولية مشتركة وتكاملية بين الجميع، مشيراً إلى أن محاربته يجب أن تبدأ من المنزل عبر التخلص من المياه الراكدة، خاصة وأنها السبب الرئيسي في توالد البعوض. وأشار خلال حديثه إلى أن الوزارة بدأت لترتيبات حملة شتوية للقضاء على البعوض .
وأشار د.”معز” إلى أنهم يستوردون المبيدات من خارج السودان بالعملة الصعبة، وهي مكلفة جداً، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وجزء منها يأتيهم من وزارة الصحة الاتحادية، مشيراً إلى أن زيادة ميزانيتها تعني اتساع رقعة رش الولاية بصورة أوسع، مما يحد من أزمة البعوض. واعترف د.”معز” بأن الميزانية المعتمدة للمبيدات لم تأتِ بأي زيادات تذكر، ومازالت ذات الميزانية القديمة التي يعملون بها من قبل.
شكاوى المواطنين لـ(المجهر)
وشكا عدد كبير من مواطني منطقة الكلاكلة شرق وصنقعت والقبة لـ(المجهر)، من تجاهل المسؤولين لأهمية قيام حملات الإغاثة التي يطلقونها بين الفينة والأخرى. وقالوا إن أزمات البيئة متمثلة في البعوض وانتشار الأمراض بجانب قضية اختلاط مياه الصرف الصحي، باتت تؤرقهم وتجعلهم في خوف وقلق دائم . واتهموا المسؤولين بالتقصير في واجباتهم، بجانب ممثليهم في المجلس الوطني والذين لم يعبروا عن همومهم، كما قالوا. وأشاروا إلى أن مسألة (البعوض) باتت مزعجة جداً، وتجعل النوم يفارق أعينهم في الكثير من الأحيان ليلاً، بجانب أنها سببت الكثير من الأمراض للأطفال .
ولعل المناطق الطرفية على غرار أحياء الكلاكلات جنوبي الخرطوم ومايو وعد حسين، بجانب أحياء الحاج يوسف شرق الخرطوم، وأمبدات بأم درمان والكدرو والدروشاب، بجانب مناطق سوبا شرقي الخرطوم، هي من أكثر الأماكن تعرضاً وانتشاراً لـ(البعوض) والتي بدورها باتت معضلة حقيقية وأزمة متجددة للمواطنين .
في ذات الوقت شكا عدد كبير من مواطني بحري شمال، في أحياء الصافية وشمبات والحلفايا والدروشاب والكدرو بشدة، خلال جولة لــ(المجهر) في عدد من الأحياء للتقصي عن الأمر. وأشاروا إلى أن انتشار البعوض بكثافة تسبب في إصابة الكثيرين منهم بالملاريا الحبشية، وإصابة الأطفال بتقرحات جلدية.
أزمة النفايات
رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية بالخرطوم اللواء “عمر نمر”، أقر في حديث خلال ندوة بعنوان (خطة إطارية للنفايات) قبل شهرين، بوجود عدد من الإشكاليات في مجال نظافة ولاية الخرطوم، أشار خلالها إلى أن الولاية تنقل الآن (25%) فقط من جملة الإفراز اليومي للنفايات، وتقوم بعمليات الرش بالمبيدات للحد من ظهور مشكلات جراء تكدس هذه النفايات. وفيما يتعلق بخطط الولاية للتعامل مع هذه المشكلة، أشار إلى أن الولاية تعمل على حل المشاكل التي تواجه عملية النظافة برؤى وخطط علمية وعملية، وفق مراحل مختلفة، مستهدفة في المرحلة الأولى الوصول لنظافة ونقل(50%) من النفايات، غير أنه طمأن المواطنين أن العام الجديد 2016 سيشهد خططاً وأساليب مختلفة، بنقل النفايات من المنازل مباشرة بنسبة (40%)، وعبر الحاويات الصغيرة بنسبة (20%)، وعبر الحاويات الكبيرة بنسبة (40%).
مشكلة النفايات، تعد واحدة من أهم الأسباب التي ساعدت على توالد البعوض بصورة مزعجة في الفترة الأخيرة، حيث تشهد الكثير من الأحياء عدم وجود منفذ للنفايات، وبات مألوفاً وجود الأكياس وشوالات الأوساخ أمام المنازل بصورة مخجلة.
مسؤولو الخرطوم تحدثوا كثيراً عن ضرورة إدخال القطاع الخاص في مجال شركات النفايات، لدعم القطاع الذي بات يعاني من ضعف في الإمكانيات
كسورات المياه
وحسب خبراء للصحة، فإن تزايد توالد البعوض بولاية الخرطوم سببه مياه الصرف الصحي، بجانب كسورات مجاريها، بالشوارع الرئيسية، بالإضافة إلى عدم تنفيذ حملات رش، وتوقف أعمال المكافحة. ويحمل الخبراء المسؤولية لوزارة التخطيط العمراني وهيئة مياه الخرطوم. وطالب مواطنون وخبراء بردم هذه الحفر الموجودة والإسراع في معالجة الكسورات.
وكشف خبير الصحة د.”علي عبد الكريم” في حديثه لــ(المجهر) بوجود نقص كبير في عمال الناموس، نتيجة ضعف الحوافز التي تقدم لهم . وأشار إلى أن عددهم ضئيل جداً لا يتعدى الـ(8) آلاف عامل مقارنة بعاصمة كبيرة بحجم الخرطوم.
قضية مياه الصرف الصحي
وفي قضية أخرى لا تقل خطورة عن أزمة البعوض، ولا تنفصل عنها وورد ذكرها في أخبار صحف الأمس، والتي تضمنت استغاثات أطلقها وزير البيئة والتنمية العمرانية د.”حسن عبد القادر هلال”، والذي أقر بتفشي أمراض وبائية بسبب مياه الصرف الصحي، وكان ذلك في البرلمان.
وأثار هذا الخبر الكثير من الجدل وأشاع الخوف مجدداً في أوساط المواطنين، خاصة وأن الكثير من الأمراض الوبائية انتشرت مؤخراً ولا تعرف لها أسباب واضحة. وعلى سبيل المثال أمراض جرثومة المعدة والبكتريا المنتشرة بشدة.
ولكن تصريح الوزير أمام قبة البرلمان قابلته موجة من السخط والتوتر من هيئة مياه ولاية الخرطوم، والتي بدورها رفض مسؤولوها الحديث، ووجهونا إلى المكتب الصحفي التابع للهيئة والذي بدوره رفض الإفصاح والحديث عن الأمر، بحجة أنهم لن يردوا ما لم يكونوا رأياً علمياً.
وحسب مصدر تحدث من داخل الهيئة ولكنه فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أكد لـ(المجهر) بأن تصريحات السيد الوزير لم تحمل تأكيداً، وإنما أبدى سعادته تخوفاً، وسخر من الوزير بقوله: مسألة جهره بتفشي أمراض وبائية بسبب المياه في حد ذاته أمر مثير للضحك، لأنه غير مسؤول عن تحديد الوبائيات، فهذا الاختصاص يرجع لوزارة الصحة.
وحمل محدثنا الوزير مسؤولية تخويف المواطنين بمثل إثارة وتهويل هكذا أخبار للإعلام، واعتبره السبب الرئيسي في إثارة القلق والغضب في وسط المواطنين. وأشار إلى أن هنالك تلوثاً جزئياً في بعض جوانب النيل، ولكنه غير مختلط بمياه الشرب، مؤكداً أن شبكات مياه الشرب مؤمنة، وعليها حماية قوية.
المجهر السياسي