محجوب عروة : وزارة المالية والحكومة الإلكترونية
تعود كثير من الصحفيين والكتاب أن ينتقدوا وزارة المالية – وهذا من حقهم – ولكن من واجبنا بنفس القدر عندما تقوم وزارة المالية بعمل إيجابي وإنجاز أن نقول لها أحسنت وهذا عين ما حدث حين أقدمت بكفاءة على إدخال التحصيل الإلكتروني لأول مرة في السودان، فرغم ما اعتور هذا المشروع الجيد في بداية التطبيق من بعض المشاكل كأمر طبيعي لكنه في الواقع إنجاز بكل المقاييس لوزارة المالية وغيرها من وزارات ومؤسسات ذات صلة بتقنية الحاسوب والمعلومات يتعين الإشادة به وبالمسؤولين والعاملين فيها جميعاً فهذا حقهم علينا، فمن أهم إيجايات المشروع أن جعل وزارة المالية تخطو خطوة جبارة لحسم قضية ظلت تضعف إيرادات الموازنة فيما عرف بالتجنيب والاختلاسات كأخطر ظواهر برزت منذ عقود أدت لفساد واسع وخلل اقتصادي كبير.
في الملتقي الثاني لأمناء الحكومات والماليين والتقنيين بالولايات والمركز لتقييم مشروع التحصيل الإلكتروني الذي انعقد قبل يومين واستمرعلى مدار يومين بقاعة الصداقة أصدر توصياته التي أكدت على ضرورة الاستمرار في برامج التدريب والتأهيل لرفع القدرات في التعامل مع الحاسب الآلي وتوفيق أوضاع المتحصلين المؤقتين، وضرورة تقديم الدعم الفني للولايات التي تعاني من مشكلات في البنى التحتية والفنية.
ونادت التوصيات بأهمية التوسع الأفقي لشبكات البيانات وحث شركات الاتصالات بزيادة الرقعة وتفعيل نقاط الشبكة القومية لتغطي أكبر مساحة ممكنة والعمل على توريد أجهزة تحصيل متعددة الاستخدام والمزايا لمقابلة احتياجات ومتطلبات المرحلة.
وحث الملتقى المصارف التجارية بتوفيق أوضاعها التقنية والانتشار الجغرافي لتغطية كافة محليات السودان لتوفير متطلبات الدفع الإلكتروني.. وزير المالية الأستاذ بدر الدين محمود قال بعدم دفع المواطنين أموالاً لأي جهة دون الحصول على أورنيك تحصيل إلكتروني مهما كانت الاسباب وأكد أن دفع الأموال خارج أُطر التحصيل الإلكتروني يعد جريمة يحاسب عليها القانون.. لا جرم أنه إذا طبق ذلك كله سيوقف ظاهرة فساد اكتشف حين وجد أن هناك من يصرف أموالاً بغير حق بأسماء منهم متوفين الأمر الذي يضيع أموالاً كثيرة على الميزانية خاصة في الولايات.
إن مشروع الدفع الإلكتروني يعني عملياً خطوة كبرى جبارة نحو تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية cyber government،وهي خطوة مهمة وكبرى لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والضبط والإصلاح المؤسسي في الدولة الأمر الذي يزيد من كفاءتها عامة وكفاءة الاقتصاد بشكل خاص، كما أن إعلان وزير المالية عن إطلاق خدمة السداد عبر الهاتف السيار خلال الربع الأول من العام ۲۰۱٦ م بحيث تصل إفادة للمواطن في هاتفه السيار
بأنه قام بتسديد رسوم السلع والخدمات سيوفر الجهود والوقت والمال بصورة متميزة، ونرجو أن يتحقق سعي وزارة المالية لتحقيق نظام دفع قومي واحد يحدد مستوى الرصيد اليومي على مستوى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والأفراد وبهذا نقضي نهائياً على التعامل المالي خارج الميزانية ونحاصر الفساد المالي ونجعله في أضيق نطاق.. وليت يتبع ذلك تدريب العاملين في الحماية من جرائم المعلومات.
وعلى ذكر الفساد المالي فإني قد لاحظت أن حوالي اثنين مليار دولار تضيع سنوياً على الاقتصاد السوداني جراء تهريب الذهب عبر جميع المنافذ منها مطار الخرطوم كما علمت، فقد قرأت مؤخراً أن إنتاج البلاد من الذهب وصل إلى ثمانين طناً يتحصل منها البنك المركزي فقط ۲٥ طناً فمن المؤكد أن الباقي يتم تهريبه للخارج ويستخدم المهربون الرشاوى في ذلك، بل يساعدهم في ذلك) بعض النافذين ( كما علمت فهلا تكرمت وزارة المالية بالتعاون مع بنك السودان بمحاصرة هذه الظاهرة عبر منافسة المهربين بإعطاء سعر أعلى لشراء الذهب فالوسائل الأخرى ضعيفة الأثر لبلد واسع الحدود وتحتاج الأجهزة الأمنية لإمكانات مالية وتقنية وإدارية هائلة لا تتوفر لها..