السياسة الخارجية للإنقاذ.. قراءة ما بين السطور!
علي خلفية جملة من التقلبات والمواقف التي شهدتها حكومة الإنقاذ منذ مقدمها في 30 يونيو 1989م على السياسة الخارجية، ومع القراءة التحليلية للتحول الذي حدث في مواقفها الخارجية مؤخراً، بدءاً من مشاركة السودان في عاصفة الحزم التى قادتها المملكة العربية السعودية في اليمن، وإنضمام السودان للمعسكر الذى تقوده السعودية في مواجهة إيران والتمدد الشيعي في المنطقة ودخول السودان داخل حلبة هذا الصراع، بعد قطع علاقتها مع إيران الأمر الذي يطرح حزمة من الأستفهامات على المشهد، حول مدى تأثيرها على الداخل في ظل الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية التي تشهدها البلاد؟ وهل تستطيع الحكومة السودانية أن تلعب دوراً محورياً في ظل تطور هذا الصراع؟ هذا ما سوف نسلط عليه الضوء في هذا التحقيق.
العلاقة مع إيران:
بالرجوع إلى إرهاصات العلاقة بين طهران والخرطوم تجدر الإشاره وبحسب مراقبيين إلى أن أول دولة تسحب ملحقها من الخرطوم عشية الأنقلاب بأيام قليلة هي إيران، ويشير المحللون إلى أن ذلك يرجع إلى تخوف إيران من شكل الحكومة الجديدة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية و أن هذا التخوف ناتج عن تواجد الرئيس البشير قبل الإنقلاب في القاهرة مما يعني إرتباط الحكومة بمصر وحكومة الرئيس حسني مبارك وعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما يدعم تخوفات إيران من إرتباطات الحكومة الجديدة بأمريكا، فبعد إنهيار الأتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات لم توجد من دول المنطقة ما يقف بجانبه بل أن المنطقة كلها محسوبه بإنحيازها للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت إيران هي الوحيدة المعروفة بمعاداتها للولايات المتحده الأمريكية بحكم مرجعية حكومتها الإسلامية، وإعتدائها على السفارة الأمريكية في إيران مطلع الثورة الإيرانية، قبل أن تعود المياه إلى مجاريها في فترة وجيزة لتأكد إيران من عدم وجود إرتباط بين حكومة الأنقاذ وأمريكا، بالتالي وبحسب المعطيات تعد السودان وإيران الدولتان الوحيدتان اللتان لا تربطهما علاقة مباشرة مع الولايات المتحدة، في الجانب الآخر ظلت العلاقة بين الرياض والخرطوم تشهد إستقراراً تحكمه مصالح كل دولة ولم تشهد أي توترات تذكر وبحسب خبراء أنها وصلت إلى أعلى قممها من التعاون المشترك ويرجع البعض تعكر صفو سماء العلاقة بين الرياض والخرطوم وتوتر العلاقة بينهما إلى التقارب الذي طفح إلى السطح بين الخرطوم وطهران، والتوتر العملي بدأ إبان محاولة الرئيس البشير السفر لإيران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس روحاني ويرى البعض أن إرجاع طائرته ومنعها من عبور الأجواء السعودية ما هي إلا رسالة بثتها المملكة للخرطوم للنظر في شأن علاقتها مع طهران، رغم ما أثير من ظروف فنية حالت دون وصول طائرة البشير لإيران.
عاصفة الحزم:
يري بعض المحلليين أن حادثة طرد المراكز الثقافية الإيرانية من السودان شكلت واقعا جديداً في السياسة الخارجية للسودان، إذ لم يكن الموقف السوداني الرسمي الداعم للسعودية في حملتها العسكرية التي أطلقت في مارس 2015 تحت مسمى (عاصفة الحزم) ضد الحوثيين في اليمن (مفاجئا) إذ سبقه مجموعة من الدلائل التي تؤشر على أن حكومة السودان بدأت تميل في رهاناتها الإقليمية، ولو بصيغة مرحلية لصالح دول الخليج، وبخاصة السعودية، لاسيما بعد أن مثلت علاقاتها المتنامية مع إيران خلال السنوات الماضية مبرراً لمحاصرتها إقليميا، وتهديدا للداخل، فقبل عاصفة الحزم بيوم واحد، خرج الرئيس عمر البشير إثر لقائه مع الملك سلمان بن عبد العزيز، بتصريح مفاده (أن أمن السعودية خط أحمر لدى السودان)، وذلك في مؤشر واضح على حالة الانفراج في العلاقات بين البلدين التي بدأت نذرها منذ سبتمبر 2014، عندما قررت الخرطوم إغلاق المركز الثقافي الإيراني وفروعه لديها، ويرجع بعض الخبراء إلى أن التحولات في السياسة الخارجية السودانية تجاه الصراع السعودي ـ الإيراني في المنطقة مع مسارات إقليمية أخرى، وبخاصة تجاه مصر في مسعى لإعادة بناء تحالفاتها الإقليمية عبر (التكيف المرن) مع التغيرات في موازين القوى في المنطقة، وتذهب الأراء أن المواقف السابقة للسودان لم تعد وحده (عاصما) للحكومة السودانية من الأضرار الأمنية والسياسية والاقتصادية التي باتت يواجهها في داخليا وخارجيا.
إنعكاسات العلاقة:
علاقات التقارب مع إيران إنعكست بمجملها على الوضع الداخلي للسودان، فالأزمة الإقتصادية إلتى إحتمدت بعد إنفصال الجنوب وذهابه بـ(75%) من عائدات النفط التى كانت تمثل الداعم الرئيسي للإقتصاد السوداني، وتدهور الجنيه أمام العملات الصعبة والخلل الذي أصاب ميزان المدفوعات، والعقوبات الإقتصادية المفروضة على السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ما إضطر الحكومة برفع الدعم عن المحروقات في سبتمبر 2013م، وما زاد الوضع تعقيدا أكثر قطع عدد من الدول لمعاملاتها البنكية مع السودان تأتي المملكة العربية والأمارات العربية المتحدة في مقدمتهما، هذا بالإضافة إلى الظروف الأمنية التى باتت مهدداً لإستقرار الوضع بالداخل، والإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وفي المقابل تنشط المعارضة السودانية في الداخل بشقيها المدني والمسلح، مع إحتدام الحرب في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وكل هذه الظروف التى باتت مهدداً لبقاء الحكومة السودانية نفسها، وهو ما عده البعض السبب الرئيسي لإعادة الحكومة السودانية النظر في شكل علاقاتها مع إيران الخطوة التى قوبلت بترحيب محلي وإقليمي عندما طردت الحكومة السودانية المراكز الثقافية الإيرانية المنتشرة في الخرطوم.
قطع العلاقات:
يقول سعادة السفير السابق أبوشامة في حديثه لـ(ألوان) أمس، أن قطع السودان لعلاقاته مع إيران كان قراراً مستعجلاً ولم ينتظر حتى ينكشف الغطاء،ً ويشير إلى أنه بعض إعلان قطع العلاقات هنالك دول أخرى قطعت علاقاتها مع إيران، من ضنها البحرين التي قطعت علاقاتها مع إيران، وأيضاً دولة الأمارات العربية المتحده التى قلصت مستوى التمثيل الدبلوماسي لها مع إيران، قطر سحبت سفيرها من إيران، جيبوتي قطعت علاقاتها، ويضيف أن الخطوة ووجهت برد فعل مقبول من السعودية وقال: هذا بدوره جعل من النتيجه لم تكن (بطاله) كما في تصورنا، وزاد الأهم من ذلك إنه لا توجد مصالح مع إيران ولا توجد للسودان مصالح تخاف عليها من إيران، مبينا لو أن هنالك مصالح مع إيران يمكن أن تتوقف لكان هنالك حيز للكلام ولكن لا توجد أي مصالح مع إيران، مشيراً إلى أن السودان جغرافياً بعيد عن إيران وبالتالي السودان بعيد عن شرور إيران، مؤكداً أ السودان حالفه الحظ في هذه العملية نسبة لتسرعة في إتخاذ مثل هذا القرار
الهدف من الموقف:
يذهب أبوشامه إلى أن الهدف الرئيسي من قطع العلاقة مع إيران يرجع إلى محاولة السودان لإصلاح علاقاته مع السعودية، فالسودان في حوجه ماسة لتوثيق علاقاته مع السعوية والعالم العربي، وقال أن السودان حالياً يعد الدوله العربية الوحيده التى يمكن أن تقود هذا الأمر، وأوضح أبوشامه أن إجتماع الجامعة العربية المقبل سوف يكون البروفيسير إبراهيم غندور هو المتحدث الأول فيه لأن السودان أول دوله عربية تقطع علاقاتها مع إيران بعد السعودية، مشيراً إلى أنه ولحسن الحظ أنها إستتبعتها خطوات دول أخرى بالإقدام على نفس النهج وقطعت علاقاتها مع إيران، وأكد أن هذه العملية قد توثق علاقات السودان مع السعودية أكثر بدليل أن أول ما أتخذ القرار إتصل مدير مكتب الرئيس البشير بوزير الدفاع السعودي وأبلغه قطع علاقات السودان مع إيران، وهذا يوضح أن الهدف الرئيسي للإقدام على هذه الخطوة العلاقة مع السعوية.
شكل الصراع:
من جانبه يرى المحلل السياسي بروفيسير صلاح الدين الدومة في حديثه لـ(ألوان) أن الصراع بين طهران والرياض هو صراع طائفي، وقال: هنالك أراء كثيرة حول ذلك ولكن الرأي الراجح أن هذا الصراع صراع طائفي بين الشيعة والسنة، وأوضح أن الشيعة لا يتركون أي مجال لتقارب السنة من الشيعة لحصول إئتلاف بينهما، وأضاف هنالك الكثيرين من الشيعة الذين يشتهرون بنقض العهود ولا يتركوا أمام الأخرين إلا مقاطعتهم، فيما يذهب السفير السابق ابو شامه إلى أن الصراع بين السعودية وإيران لا يمكن أن يتتطور إلى صراع مذهبي بين إيران التى تمثل التيار الشيعي والسعودية التى تمثل السنه، وأضاف: إيران بدأت تتراجع وهنالك دول بدأت تتدخل روسيا ذكرت أنها يمكن أن تتدخل العلاقات، وتركيا أيضاً ذكرت بأن تتدخل العلاقات، الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وعبر وزير خارجيتها أدلى يتصريح بأنه يمكن أن يتدخل لتحسين العلاقة بين الطرفين، هناك تدخلات دولية لرأب هذا الصدع الذي حصل، وبالتالي هذه المسألة ليست في تطور والسعودية لها الحق في أن تقطع علاقاتها لأن سفارتها تعرضت، وهذا الإعتداء على السفارة السعودية مثله مثل العملية التى حصلت سابقاً مع أمريكا وهي عملية خطيرة جداً، الإيرانيون في بداية ثورتهم دخلوا السفارة الأمريكية وإحتلوها وألقوا القبض على أفراد من داخل السفارة، وأكد الدومة أن وقوف السودان إلى جانب السعودية يمكن النظر إليه من ناحيتين إذا نظرنا لها من ناحية المصلحة النظرة المجردة من كل شيء نجد أن مصلحتنا هي الإبتعاد من إيران والإقتراب من السعودية، وإذا نظرنا لها من حيث الطائفية فنحن مع السعودية من حيث الطائفة ولذلك كل النواحي تقتضي التقارب مع السعودية والإبتعاد عن إيران ولابد من الإنحياز لهذه القوى.
صحة الموقف:
القيادي بحزب البعث السوداني محمد وداعة يقول: أن موقف السودان مع صدام سابقا كان صحيحاً وأضاف أن الحكومة تريد تناسي هذه الصفحه، وأوضح ربما لو إنتصر صدام في الحرب ضد الحلفاء ولم تسقط بغداد لما وجدنا الآن من يستتر (تقية) في تحفظه على قطع العلاقة مع إيران بدعوى وحدة أهل القبلة أو أي دعاوي أخرى، وأكد وداعة أن الموقف الآن مع السعودية وضد إيران صحيح وفقاً لمعايير، وزاد لعله ليس خافياً أن المعايير الإستراتيجية التى نرى أنها تبرر مساندتنا للموقفين لم تكن في بال الحكومة وهي تأخذ بالقرارين، وأوضح أن قرار الحكومة الوقوف مع صدام في ذلك الوقت ربما يرجع لأسباب أيدلوجية وإقتصادية، وأن قرار الوقوف مع المملكة واضح أن الهدف منه نيل ثقة المملكة وتأكيد سياسة الإبتعاد عن إيران والإقتراب أكثر من الخليج، مشيراً إلى أن هذا الموقف حتى ولو قام على مصلحة إقتصادية فقط فهو صحيح، قائلاً: (من وجهة نظرنا أن الحيثيات التى أملت القرارين حكومياً لم تكن تستند على رؤية إستراتيجية، ومع ذلك فإن الموقفين ونتائجهما تصب في مصلحة البلاد العليا، رغم الخسائر التى صاحبت الوقوف مع صدام، أوأي خسائر متوقعه للوقوف مع المملكة ضد إيران)، فيما يذهب المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بروقيسير صلاح الدين الدومة أن أول مرة في تاريخ الإنقاذ تتخذ خطوات جيده، وقال: هذه خطوة صحيحة وإيجابية بنسبة 100% ، وأوضح بالقول: لو أنها لم تأت بمكاسب للسودان، يعد الإبتعاد من إيران هو نفسه المكسب، لأن إيران لا يرجي منها خيراً أو بركة في أي حال من الأحوال، ولذلك الإبتعاد من إيران فقط مكسب، بصرف النظر عن المكاسب الأخرى.
صحيفة الوان