اثيوبيا: كيف تُخططُ دولةٌ فقيرةٌ لتحقيقِ نموٍّ اقتصاديٍّ بمعدلات عالمية؟
في أعقاب العام 1991، اجتمع مجموعة من المتمردين الأفارقة في أعالي الجبال بدولة إثيوبيا الفقيرة، لوضع المُخطط النهائي للانقلاب على النظام العسكري الحاكم، لتنتهي المحاولة بوصولهم للسلطة من خلال تأسيس تحالف حاكم منهم، على رأسه مليس زيناوي، رئيس الوزراء السابق.
هذا التحالف الحكام برئاسة “زيناوي” ينتمي لعرق تيغراي, هو العرق الأكبر و الأقوى في هذا التحالف المتمرد سابقًا، سعى لتنفيذ مُخطط النمو داخل هذا البلد الفقير الذي سيصل عدد سكانه إلى 100 مليون في 2018، ليجعل من هذا البلد الإفريقي في شرق أفريقيا إحدى القوى الفاعلة في الصراعات الدائرة في المنطقة.
خلال السطور التالية، تحاول “ساسة بوست” شرح آليات هذه الدولة الفقيرة لبسط نفوذها في المنطقة، ومُخطط التنمية الذي جعل اقتصادها الأكثر نموًا في العالم بين 2007 و 2012.
إثيوبيا.. الاقتصاد الأكثر نموًا في العالم بين 2007 و 2012
تُظهر الأرقام الصادرة من البنك الدولي ارتفاع حجم النمو الاقتصادي لإثيوبيا خلال السنوات الفائتة، لتصبح الدولة الأكثر نموًا بين عامي 2007 إلى 2012، وتوقع زيادة للنمو السنة الحالية بنسبة 10 %.
تُشكل الزراعة المرتبة الأولى في الاقتصاد الإثيوبي، إذ تمثل حوالي 50% من الاقتصاد و 80% من الصادرات، بجانب المساحات المتوفرة لزراعتها، إذ تبلغ المساحة المزروعة من هذه المساحات نسبة 20%، بجانب تأسيس العديد من المؤسات المعنية بتطوير طريق الزراعة، وتطوير السماد المستخدم في عملية زراعة المحاصيل، لمضاعفة الإنتاجية الزراعية للمزارع الإثيوبي.
كذلك تساهم الحكومة في توفير التسهيلات المتمثلة في السماح للمستثمر الإثيوبي بتصدير منتجاته بدون أى رسوم و إعفاء ضريبى لفترة تصل بين 3-7 سنوات، وكذلك يسمح ارتفاع مخزون الأراضي الزراعية بها إلى تأجيره لدول أخرى للزراعة لتأمين غذائها.
يُشكل التعدين كذلك نسبة تصل إلى 1% من الاقتصاد الإثيوبي، والذي ينحصر في عملية استخراج الذهب و البترول و النحاس وكافة المواد الطبيعية في أرض إثيوبيا الممتدة، بجانب مساعي الحكومة لرفع حجم الاستثمارات في هذا المجال إلى 10% خلال العام الجديد.
كذلك أحد القطاعات التي شكلت مصدر دخل وفير للحكومة الإثيوبية هو قطاع الطيران، إذ تستحوذ شركة الطيران الإثيوبي على شركات أخرى في غرب ووسط إفريقيا ليصبح لديها شبكة متنوعة تربط إفريقيا ببعضها البعض و منها إلى شمال إفريقيا وأوربا، بجانب تحقيقها أرباحا بلغت 110 مليون دولار السنة الفائتة.
دولة المنبع.. المُتحكم الأول في تحديد كميات مياه النيل
ألزم الاتفاق الجديد بين دول حوض النيل ضمن بنوده، بتوسيع صلاحيات إثيوبيا في تحديد كميات مياه النيل، وهو الاتفاق الذي نجحت في إقناع كافة دول منبع النهر في التوقيع عليه، ما ينزع من مصر حقوقها التاريخية في كميات المياه، وهو ما تُظهره آثار هذه الاتفاقية في قدرة سد النهضة على حجز 70 مليار متر مكعب من المياه.
في مساعي إثيوبيا لتعظيم الاستثمارات في مجالات الطاقة، تولت تشييد 5 سدود بدءًا من 2004 إلى العام الحالي، واحتل مهر الأومو الذي بدأ العمل بشكل فعلي عام 2015، المرتبة الأولى في توليد الطاقة الناتجة عنه بمقدار 1870 ميجا، بتكلفة بلغت 1.8 مليار دولار .
ويأتي في المرتبة الثانية ضمن أهم مشاريع السدود في أثيبويا، مشروع سد النهضة، أضخم سد مائي كهربائي في أفريقيا، والذي تتولى تشييده شركة سيليني الإيطالية التي تبني سدودا أخرى في إثيوبيا.
حسب المعلومات الأولية، سيصل مخزون الماء في السد مرة ونصف من حجم المياه الواردة للنهر الأزرق في السنة، وتم الانتهاء من بناء 45% منه، وتخطط الحكومة للاستفادة من سد النهضة بعد الانتهاء منه في زراعة نصف مليون هكتار، وتخفيف مُشكلة الجفاف المتزايدة التي يعيشها شرق إثيوبيا.
الصين والمعونات الدولية.. الممول الرئيسي للمشروعات الحكومية
لا تستطيع الموازنة العامة لدولة إثيوبيا تغطية نفقات المشاريع الكبرى التي نفذتها خلال السنوات الأخيرة، وحققت بها طفرة اقتصادية هائلة، ونموًا ضخمًا في حجم استثمارات الدول الأجنبية داخلها، مما منحها نفوذًا مُكتسبًا.
لكن المعونات الدولية التي تحصل عليها “إثيوبيا” من المؤسسات الاقتصادية الدولية، تمنحها القدرة على استكمال المشاريع تحت غطاء شرعية سياسية للدول الكُبرى كتركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، الدول الأكثر استثمارًا على أراضيها.
تُظهر البيانات المنشورة على موقع البنك الدولي، في الصفحة المُخصصة لإثيوبيا، حصولها على معونات قدَّرها البنك بقيمة 639 مليون دولار في العام 2011، و974 مليون دولار في 2012، ومليار و115 مليون دولار في 2013، ومليار و646 مليون دولار في 2014، ومليار و320 مليون دولار خلال العام الذي انتهى منذ أيام معدودة .
كذللك تعهد الاتحاد الأوربي بتقديم معونات بقيمة 640 مليون دولار خلال 5 السنوات المُقبلة، لتمويل مشاريع النقل داخل إثيوبيا، أو التي تربط بين إثيوبيا وجيرانها.
بجانب المؤسسات الدولية، تحتل الصين المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر استثمارًا في إثيوبيًا، وتمويلًا أيضًا للمشاريع القومية الكبري الحكومية، إذ يُعد التنين الصيني صاحب أكبر استثمارات أجنبية، بجانب تمتعه بعلاقات قوية مع الحكومة الإثيوبية؛ مما جعله المُنفذ الأول لكافة مشاريع القطارات في التمويل والتنفيذ.
ويُعد بنك إكسم بنك الصين الذي تتفاوض معه إثيوبيا على قرض 2.4 مليار دولار، أحد المُساهمين الرئيسيين في بناء خط قطارات يربطها مع موانئ كينيا، بجانب القروض التي تتولى شركات هواوي و زتي الصينيتان تقديمها لتطوير شركة الاتصالات الإثيوبية.
المشاريع الكُبرى.. خطة الحكومة الإثيوبية للنمو الاقتصادي
من أبرز المشاريع الكبرى في إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة، مشاريع الكهرباء والنقل والمواصلات،إذ أنشات قطارًا حديثًا بين شرق و غرب العاصمة، وقطارا يربط الدولة مع جيبوتي حيث يتواجد بها محطة حاويات موانئ دبي، والذي اختصر زمن الرحلة من يومين إلى 10 ساعات، وتحقيق التكامل مع منطقة التجارة الحرة التي تبنيها الصين هناك.
وجاءت مشاريع الطاقة المولدة من السدود في المرتبة الثانية ضمن قائمة المشاريع القومية للحكومة الإثيوبية، حيث تولت إثيوبيا تشييد 5 سدود من العام 2004 إلى الآن، والذي كان نهر الأومو أكبرهم بطاقة 1870 ميجا، و بدأ العمل في 2015 بتكلفة بلغت 1.8 مليار دولار، في محاولة منها لمواجهة مُشكلة الجفاف المتزايدة في شرق إثيوبيا.
تُشكل الزراعة أكبر قطاع في اقتصاد إثيوبيا، إذ تُمثل 39% من حجم الاقتصاد، والتي بدورها توفر 78 % من حجم التوظيف داخل الدولة، وهو ما تحاول الدولة استثمار هذا القطاع من خلال تدريب المزراعين على طرق زيادة الإنتاجية، وتقديم تسهيلات للقطاع الخاص في هذا المجال من خلال إقامة مزارع للشاي والقهوة، وتعظيم عملية استيراد هذه المنتجات، واستخدام عائداتها المادية في تقليل معدلات الفقر .
الحكومة والجيش.. أدوات النمو والتنمية الرئيسية والتعليم في إثيوبيا
تعتمد إثيوبيا بشكل رئيسي على المؤسسة العسكرية كأولوية في تأسيس المشاريع القومية، وعملية النمو والتنمية، حيث تتولى تأسيس شركات استثمارية مملوكة لها، تتولى عملية الاستثمار في كافة القطاعات لا سيما القطاعات الصناعية، والزراعية، والبنية التحتية، وكذلك تدخل في شراكة مع الاستثمار الخاص في
مشاريعه، وتكون شركات مرتبطة مع الحكومة بشكل أو آخر تساهم في التنمية جنبا إلى جنب مع الشركات المملوكة للحكومة والجيش.
شركة METEC ، هي الشركة التي تأتي على رأس الشركات صاحبة أكبر استثمار في إثيوبيا خصوصًا في كافة مشاريع النقل، وهي شركة مملوكة للجيش فيما تحل شركة كهرباء إثيوبيا في المرتبة الثانية في حجم استثماراتها، وهي شركة مملوكة للحكومة، ويترأس إدارتها نائب ريس الوزراء، و نائب رئيس الجبهة الممثلة لعرق التيغراي في التحالف الحاكم، والتي تشترك أيضًا مع شركة الجيش في استقدام عشرات الخبراء من الهند وكوريا كمُشرفين على المشاريع.
تتولى الدولة تقديم تسهيلات كُبرى للشركات المملوكة للحكومة أو الجيش في المشاريع الاستثمارية، إذ حددت الحكومة أن 27% من قروضها تتوجه للسندات الحكومية الممولة لمشروع سد النهضة، بجانب تحديد نسبة فوائد أقل لهذه القروض، لتسهيل عملية التمويل، بجانب التسهيلات المتمثلة في توفير الأراضي المُخصصة
للمشاريع، وتوليها عملية نزع الأراضي من القبائل التي تمر الطرق عبر أراضيها خاصة القبائل المحيطة بسد النهضة.
كذلك يبرز دور الدولة أيضًا في عملية التعليم، إذ تمتلك الدولة غالبية المدارس والجامعات، ويتضاءل نصيب القطاع الخاص في الاستثمار التعليمي في كافة مراحله، بحيث يصل إنفاق الدولة عليه 4.7% من الناتج القومي.
يعتقد الخبراء أن أحد المشاكل الرئيسية التي قد تهدد المشاريع التنموية للنموذج الإثيوبي، الفساد، وضعف القدرات التفيذية للشركات الحكومية، وعدم خلق قطاع خاص قوي بجوار الحكومة و أيضا الديكتاتورية السياسية التي عادة ما تصاحب النموذج وقد تؤدي لمشاكل أمنية و اجتماعية تنفر الاستثمار الأجنبي.
ساسة بوست