أفكـــار علـــى مدخــل العــام الجديــد
وطني أعطاني بطاقة قومية
< تُلفتنا الحادثات الجسام إلى أمور مهمة نهتم بها في حينها ثم لا تلبث حتى ننساها في الزحام ومرور الأيام. نبّهتنا الحوادث المرورية إلى ضرورة كتابة أسماء شركاء الرحلة وكانت تلك بداية لعمل حضاري تستوي فيه في الدنيا كلها رحلات الاوتوبيس والايرباص.. لكن تقييد أسماء الركاب لن يكون في أي حال بديلاً عن البطاقات القومية. كنا نتمنى مع صعود الاهتمام بالسجل المدني أن تواكبه حملة تجعل من البطاقة القومية لأي مواطن مسألة حيوية ومهمة تعرّض صاحبها في حال نسيانها إلى عقوبات تماثل ما يتعرض له سائقو السيارات بدون رخص قيادة. ولكن ذلك الأمر يتطلب من الدولة أن تتنازل من ابتهال فرصة ضاغطة كالبطاقة القومية لتجعل منها مورد دخل جديد، فتجعلها شيئاً سهلاً وميسوراً وفي استطاعة أي مواطن في الجهات السودانية الأربع.
لابد أن تكون الأوراق الثبوتية، وخصوصاً البطاقة القومية، أشبه بالمجان إن لم تكن مجاناً بالفعل.. وذلك لتمكين المواطن من الحصول عليها وجعلها شيئاً ذا قيمة يصعب قضاء أية معاملات بدونه، وهذا بدوره يساهم في الحفاظ على السجل المدني ويعزز قيمة وأهمية الجنسية السودانية. ويساهم هذا بدوره في الحد من الظاهرة المؤسفة التي تكاد تنفرد بها دون الدول المتحضرة وهي ظاهرة وجود مواطنين متوفين مجهولي الهوية.
هل ستساعد الدولة مواطنها على امتلاك بطاقة قومية؟ هل سنحلم في العام الجديد ببطاقة إثبات قومية لأهل السودان بالمجان تكون واجبة الامتلاك والحمل في أي زمان ومكان؟
أم أن الرسوم التي لا يطيقها المواطن ستقف حائلاً أمام هذا المشروع؟
العواصم من القواصم
< في العواصم المحترمة وفي المدن العريقة لا يُسمح للشاحنات بالدخول مطلقاً. ثمة مواقف لا تتعداها تتركز في الغالب في أطراف المدن. في مدينة محترمة لا يمكنك أبداً أن ترى شاحنة ومقطورة وهي تسير آمنة مطمئنة بشارع يُفضي إلى رئاسة الحكومة أو بجوار مجلس الوزراء.
إن محل الشاحنات هي الضواحي وأطراف المدن حيث تخصص لها مواقف معلومة لا تجرؤ على اجتيازها.. وتنشط سيارات نصف النقل لتفريغ حمولة الشاحنات وهذا بدوره يوفّر فرص عمل لكثير من سيارات البك أب أو «النصف نقل» وهي سيارات مهمتها الأساسية تحميل البضائع وليس تحميل البشر.
بعض الأشياء الصغيرة تُفسد الأعمال الكبيرة وتقعد بمهمات الارتقاء بالنظام والنظافة والذوق. لنبدأ من حيث انتهى الآخرون حتي يتسنى لنا ولو مجرد الحلم بالاقتراب من العصر.
< كيف تتجمّل بلادنا وكيف تزدهر عواصمنا وتزهر ولا زالت قطعان الماعز ترعى في خمائلها وتفتك بالأزهار والورود؟ وكاد خواجة مرة كان يتمشى بشارع أفريقيا أن يُصعق وهو يرى حماراً وقد صعد على ربوة مكسوّة بالنجيل وجعل يرعاها غير عابئ بشيء.
وتظل على جنبات الطرق جثث الكلاب والقطط التي قضت بعد أن دهستها المركبات حتى تتحلل وتُفسد البيئة والمكان. وليس ثمة من يقوم بنقلها إلى حيث تحرق النفايات.
< أشياء صغيرة لا تكلف شيئاً.. ولكنها تشوّه وجه المدينة المُتعَبة وتقعد بكل خطوات جادة للارتقاء بها. لتكن هذه المدينة بالشرق أو بالغرب أو بالشمال لا يهم، المهم أن نتوفر على مدينة بلا قبح ولا طفح في المجاري ولا كلاب ضالة ولا مركبات كارو تحمل المياه لأن هيئة مياه المدن لم تقم بتجديد الشبكة المهترئة.
< لماذا لا يعكف بعض الإخوة على جمع وتأليف بعض كتب المختار في الأدب والثقافة والشعر والأقوال الزاهية والإجابات المسكتة.. ويجعلوا لذلك منهجاً وطريقة، ففي زمان اللاقراءة واللازمن تشكل مثل هذه الكتيبات استراحة للكبير والصغير والمثقف والمبتدئ. ولكم من قولة عزّت البعض ولكم من قولة غيّرت مسار أفراد وجماعات.. ورحم الله أساتذتنا الأُول ممن كانوا يفرضون علينا كراسة للأدب.. بقيت فينا مثل الخزانة الثمينة، مليئة بعطر القول وأزاهير الكلام.. خزانة بقيت حين رحلوا، فصارت في صحفهم «الفياضة» الجليلة بمآثر الأعمال والأقوال صدقة جارية..
ما زلت أذكر كلمات أستاذنا عبد الرحمن الشيخ عبد الله محمد يونس بطلعته البهية الوقورة ولسانه الذرب وخطه الأنيق:
أكتبوا عنّي وعن الشاعر:
لا أحد في مسيرة التاريخ البشري يعرف مقاتلاً أعفّ من المصطفى، ولا حامل سيف أطهر منه. رسول ما غضب لنفسه قط، وما اتبع يوماً شحّ نفسه.. نعم ما غضب يوماً إلا لله وحده..
قالوا غزوتَ ورُُسْلُ اللهِ ما بُعثوا
بقتلِ نفسٍ ولا جاءوا بسفكِ دمِ
جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٌ
غزوتُ بالسيفِ بعد الغزو بالقلمِ
والجهل أن تلْقه بالحلم ضقتُ به
ذرعاً وإن تلْقهُ بالجهل ينحسمِ
< اسألوا أنفسكم منذ كم في هذا الزمان الصعيب، استوقف أحدكم أخاه في منعرج أو مجلس أو زيارة وأخبره أنه يحبّه!!!
منذ كم فعلتموها أيها المتجهمون؟
منذ كم تهاديتم؟
أكاد أجزم حسب معرفتي بأدبيات هذه الأيام ألا أحد فعلها، بل إنني أجزم أن الكثيرين يستحون من كلمة الحب الشفيفة هذه!! بعد أن ابتذلها الغناء والفيلم العربي والمسلسلات والكتيبات الرقيعة في هذا الشأن. ولكن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان دائماً حاضراً في مطاردة هذا البؤس الداخلي التجهم والصرامة في غير موقعها وميقاتها. ومن لطائفه عليه السلام:
«إذا أحبّ أحدكم أخاه فليخبره بأنه يحبّه».
وكثير من شباب هذه الأمة لا يعرفون من أصدقائهم وزملائهم وأندادهم إلا الاسم الأول. وكان السودانيون حتى عهد قريب يعرفون أباك وأمك واخوتك وعشيرتك الأبعد منهم والأقرب، لأنهم كانوا يتوقون لصِلات لا تنقضي وآصرة لا تموت.. ويؤازرهم حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو» فإنه أوصل للمودة.