خالد حسن كسلا : حكومة البشير وحوارها والاستقلال
> القيادي البارز جداً بالمؤتمر الوطني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، كأنه يريد أن يقول بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال بصعوبة استقلال كامل.
> فقد قال لن يتحقق الاستقلال ما لم تتوحد كلمة الشعب.
و لم يقل أغلب الشعب.. وهذا يكفي طبعاً من الناحية المنطقية والواقعية.
> هل ضاعت ستون عاماً سدى، والآن جاء الحوار الوطني لتبدأ مرحلة تنفيذ متطلبات ما بعد استقلال السودان من الاحتلال البريطاني؟. . هل الآن بالحوار الوطني نضجت الظروف ليجتمع كل أهل السودان ويتحاوروا في حكم البلاد كيف يكون أو يتلاوموا ويتحاسبوا؟
> وهل سأل المتمردون أنفسهم لماذا كانت الفرصة متاحة لمحاربة الدولة بإمكانيات أجنبية إمكانيات عسكرية و سياسية؟
> هل قرأ كل من تمرد في الجنوب القديم والغرب تأريخ الاحتلال البريطاني وكيف كان يضع السياسات التعليمية؟.. هل عرف كل من تمرد متى أسست في السودان المدارس وكلية غردون التي تحمل اسماً مستفزاً؟
> أسست كلية غردون عام 1902م.. لكن لم تقبل فيها سلطات الاحتلال طلاباً من جنوب السودان القديم إلا عام 1947م.. عام مؤتمر جوبا.
> خمسة وأربعون عاماً كان محرماً التعليم العالي على غير أبناء الشمال والوسط.. ومعلوم أن طبقة الحكام تكون من المتعلمين.
> هل قرأ كل من تمرد أو ناصر التمرد تأريخ الاحتلال البريطاني هذا؟ وحتى لو كان قرأه.. هل سيكون كافياً لإثنائه عن التمرد؟
> المتمردون يقولون إنهم لا يعترفون باستقلال السودان لأسباب أهمها التنمية. والآن الحوار ينطلق . لكن إذا لم ترض عنه واشنطن هل يمكن أن يرضى المتمردون؟
> المتمردون لو خاطبوا لجان الحوار بما يحملون من آراء سيحققون انتصارات سياسية سيشعرون أنها قصرت الطريق نحو الغاية.
> لكن هما غايتان.. غاية المتمردين وغاية القوى الأجنبية.. وإذا عرفنا أن غاية واشنطن وإسرائيل هي خراب الموارد وتدمير البنى التحتية وسياسة المناطق المحروقة.. وإذا عرفنا أن غاية المتمردين وافترضنا أنها التنمية المتوازنة فكيف تجتمع الغايتان؟
> ستون عاماً تحقق فيها ما أرادته بريطانيا للبلاد بعد رفع علم الاستقلال.. أرادت أن يستمر التمرد حتى بعد انفصال الجنوب.. وأن يستمر حتى بعد انفصال إقليم آخر.
> أما مشروع الحوار الوطني. فكأنه يقوم على سؤال تطرحه الحكومة على المعارضين والمتمردين على السواء يقول: ماذا تريدون؟
> المعارضون يريدون تحولاً ديمقراطياً.. فهل لم يتحقق؟! المتمردون يريدون تنمية متوازنة.. فهل لم تتحقق؟
> مناقشات لجان الحوار الوطني يمكن أن تجيب طبعاً. لكن السؤال الأهم حتى بعد رفع العقوبات الأمريكية هو: هل ستترك القوى الأجنبية بقيادة واشنطن السودان في حاله؟
> لا أريد أن أقول إن الحوار الوطني مهدد مثل استقرار بعض مناطق البلاد بنيات التآمر الأجنبية.. لكن هل يمكن أن يوقف الحوار كل الشعب صفاً واحداً في وجه التآمر الغربي والصهيوني؟
> أم أنه حتى لو عاد كل المتمردين والمعارضين بباب المحاصصات التي لن تجدي فتيلاً في تنمية أو استقرار.. يمكن أن تجذب عناصر واشنطن وإسرائيل سودانيين آخرين لقيادة تمرد جديد يواصل ما انقطع من نسف للاستقرار وتخريب لمصالح المواطنين وترويع لهم من أجل إقامة معسكرات اللجوء والنزوح وبالتالي إنعاش سوق المنظمات الأجنبية الخبيثة؟
> الحوار الوطني كان من المفترض أن يبدأ بعد رفع علم الاستقلال.. لكن للأسف، فقد حل محله الحوار الأسري الطائفي.. فكان هم بعض من وصلوا إلى السلطة هو الاحتكار الأسري للسلطة ليفتحوا الطريق أمام الانقلابات العسكرية.
> فكان لابد أن يكون الدواء من جنس الداء.. فكل العهود الديمقراطية الثلاثة السابقة، لم تكن حكوماتها مستعدة لقيادة حوار وطني.. ولم تكن قادرة على الحفاظ على الحياة الديمقراطية.
> فستون عاماً ضاعت سدىً.. مثل ضياعها كسباً كبيراً للقوى الأجنبية.. ثم يأتي الآن الحوار الوطني ليشكل مرحلة مفصلية.. ونتساءل: ماذا ستضمر بعده القوى الأجنبية للسودان من خلال بعض أبنائه الذين تستغل فيهم العوامل النفسية؟
> تحت كل الظروف، يبقى الحوار الوطني في ملخصه هو السؤال القائل: ماذا تريد؟! و يبقى الحوار الوطني هو أهم ملحقات الاستقلال. فكل الناس ما ذاقت طعم الاستقلال إلا بعد انطلاق الحوار الوطني.. فمع من يكون الحوار إذا كنت ترفضه مع الحكومة التي تراها فاشلة وظالمة؟
غدا نلتقي بإذن الله…