ضياء الدين بلال

(الوزير زعلان)!

-1-
لما يُقارب الثلاث ساعات، كان وزير المالية السيد بدر الدين محمود، يتحدث بصرامة رقمية عن الموازنة الجديدة للعام 2016.
قبل أيام، تابعتُ عبر التلفاز الوزير، وهو يعرض خطاب الميزانية أمام البرلمان في جلسة مسائية.
كان متوتراً، كثير التلعثم والوقوف على الكلمات والأرقام. من الراجح أن مصدر ذلك حالة إرهاق جسدي ونفسي، كابدها الرجل وهو يُواجه شظايا الصحافة من كل حدب وصوب، قبل أن يقف على رجليه لطرح الموازنة على البرلمان في تلك الليلة.
تأكد للمتابعين خلال الأيام الماضية، أن السيد بدر الدين محمود، شديد الحساسية تجاه النقد، ولديه شعور بالاستهداف وحريص على ترك مساحة واسعة بينه والصحافة، حتى يتجنب ما حدث لسلفه السابق علي محمود من صدمات إعلامية.
-2-
في مؤتمره الصحفي أمس، كان بدر الدين يتحدث بثقة وتركيز وتسلسل منطقي سلس، كانت لياقته التعبيرية في تمام جودتها، رغم أنه لا يزال غاضباً من الصحافة – على المطلق – دون تمييز.
لم يفوِّت وزير المالية فرصة للنيل من الصحافيين والتعريض بهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلا واقتنصها بهدوء وقسوة، وحينما أراد أن يقلل الجرعة – أو ربما يزيدها – عرض على وزير الإعلام دكتور أحمد بلال الذي يجلس إلى جواره تمويل برامج تأهيلية للصحفيين الاقتصاديين على حساب وزارة المالية!
-3-
تحدثت مع الوزير بدر الدين عقب المؤتمر الصحفي عن وجود خلل في تعامله مع أجهزة الإعلام وحساسيته المُفرطة تجاه النقد.
الرجل ردَّ ذلك إلى استيائه من تحريف قال إنه ظلَّ يتم لحديثه من قبل الصحافة، مثل القول بأنه أساء للشعب السوداني ووصفه بالكسل وعدم الإنتاج.
علاقة وزير المالية مع أجهزة الإعلام، موضوع سبق أن تناولته في هذه المساحة قبل عام في بداية تولي السيد بدر الدين محمود للمنصب، وربما أعود إليه لاحقاً.
-4-
المهم، الوزير بدر الدين تحدث لأكثر من ساعة ونصف عن الميزانية، ووضح بجلاء كيف أسهم عبر نظام الحوسبة المالية في مضاعفة الإيرادات، وقال إنها قفزت من (13) ملياراً عام 2012 إلى (40) ملياراً عام 2015 ويُتوقع وصولها لـ(48) ملياراً في العام الجديد.
وكشف عن إجراءات قريبة ومتوسطة قادمة – لم يحددها بدواعي السرية – للسيطرة على سعر الصرف والحد من انفلاته.
وتحدث عن انخفاض نسب التضخم عن ما كان متوقعاً.
وسعدت جداً بحديثه عن الاقتراب من إنهاء العطش في مناطق كثيرة في أطراف السودان والوصول به إلى معدل صفري.
وتحدث وزير المالية عن تطوير وتوسيع عمل المراجعة الداخلية للحدِّ من الفساد، والجدية في تقديم المتجاوزين للمحاكمات.
صحيحٌ أن بدر الدين تحدث عن بُشريات متعلقة بالموازنة، لكن كان سيكون أكثر موضوعية إذا ربط البُشريات بالتحديات والصعاب المتوقعة كذلك، حتى يكتسب تفاؤله قوة منطقية لإقناع الآخرين.
-5-
أما محافظ بنك السودان السيد عبد الرحمن حسن، صحيح أنه لم يجد الزمن الكافي للحديث والشرح، لاستئثار وزير المالية بأغلب الوقت؛ لكن حتى ما وجده المحافظ في الحيز الضيق بدَّده في حديث عن مواضيع فرعية، ولم يركز على الهم المركزي المُتعلق بانكماش قيمة الجنيه واستئساد الدولار على الاقتصاد السوداني.
من الواضح أن التصريحات التطمينية للمحافظ ومحاولة السيطرة على سعر الصرف عبر الأخبار والتوقعات المُتفائلة، لم تعد تجدي؛ لذا كانت إفاداته في المؤتمر الصحفي أمس – على عكس تصريحات الوزير – أقرب للاستسلام والتبرير.
-أخيراً-

قد تكون (أرقام الوزير كالأنغام)، كما قال الدكتور الباقر أحمد عبد الله في مداخلته بالمؤتمر الصحفي أمس؛ ولكن كل ما قيل وما سيقال لا يعني شيئاً إذا لم تعبر (الأنغام الرقمية) إلى سوق التعامل اليومي في حركة البيع والشراء، حتى يشعر المواطن السوداني بأن ما في جيبه يفي باحتياجاته الضرورية!

‫2 تعليقات

  1. شكرا الأستاذ اسحق
    لأول مرة منذ عرفتك……….افهم ما كتبته

    1. ههههههههه قوية دي والله دا ضياء الدين بلال كدي فتح عيونك كويس