اسماعيل الحاج موسى : الحضارة الإسلامية الفكرية عرفت الحوار والرأي والحُجَّة قبل أن تعرف السوط والسيف
قال صديقى : قرأت لك أكثر من محاولة للحديث عن كيفية تكوين جيل مسلم قوى وقادر وقمين بتحمل المسؤوليات التى تنتظر هذا الجيل فى مجتمعات العالم الثالث المحاطة والمحاصرة بالمشاكل والأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية … أنت فى هذا يا أخى تركب مركباً صعباً خاصة مسألة تناول هذا الأمر من الزاوية الفكرية .
قلت : أنت تلاحظ يا صديقى أن مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان – بل فى العالم الإسلامى عامة – قد تعرضت لجدل كثير ولغط مثير … وظهرت – من حيث الأفكار والممارسات – آراء متباينة وإختلافات متضاربة وخضعت المسألة فى كثير من الاحيان لاعتبارات غير موضوعية .
قال : فى السودان بالذات أحسب أن هذه الاختلافات والتباينات ما كان ينبغى ان تكون واردة أبداً .
قلت : كلامك هذا قد يكون صحيحاً خاصةً وأننا فى السودان بالذات نلاحظ أن الوجدان الدينى عريق وعميق لأسباب عديده تاريخية وجغرافية وحضارية ، ولذلك تلاحظ أن كل القوى السياسية التى تتزاحم نحو كراسى الحكم تعودت – عندما تكون على مشارف إستحقاقات إنتخابية ، أنها تطرح كلها الشعارات الإسلامية التى تهدف من ورائها تملق مشاعر المواطنين وكسب أصواتهم .
قال : هذا صحيح … فحزب الأمة تعوّد أن يتحدث عن (الصحوة الإسلامية) والإتحادى الديمقراطى تعوّد أن يتحدث عن الجمهورية الإسلامية والجبهة القومية الإسلامية كانت تتحدث عن الشريعة الإسلامية .
قلت : ولنسبر غَوْر هذه المسألة فإننا نحتاج أن نعالج مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية من زواياها المتعددة حتى لا نظل أسيرين للجدل السياسى العقيم المسطح … وحتى لا نظل نغرق ونتخبط فى طيّات ظُلُمات بحر لُجِّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ .
قال : هذا صحيح ، فان حضارة الإسلام فى أصلها وفى مجملها حضارة حوار وبيان وبرهان … فقد عرفت حضارة الإسلام الرأى والحُجَّة قبل أن تعرف السوط والسيف .
قلت : هذا صحيح … فالعلاقة بين الإسلام والفكر هى علاقة قائمة واقعياً بحكم موضوعيتها …. ذلك أن الإسلام لم يكن ديناً فحسب وإنما مضامين حضارية … ولذلك كان التلازم قائماً واقعياً وموضوعياً بين التحولات الإجتماعية على صعيد الواقع والتحولات الإجتماعية على صعيد الفكر .
فالإسلام قد اضطلع فى أول مهامه التاريخية بترسيخ دور الفكر وتحقيق التحول النوعي الذى أنجز …. وتلاحظ هذا بوضوح فى الإشارات القرآنية التى تَحُثُّ المؤمنين على التفكير فى شؤون الكون والحياة وتحُضُّ العقل على ان يتدبّر هذه الشئون .
ودعنا فى لقائنا القادم إن شاء الله نبدأ بأن نتوقف أولاً عند تميز الإسلام بالتوحيد الذى مثل رفضاً قاطعاً لقيام الدين مميزاً للمجتمعات الإنسانية بعضها عن بعض .