لجنة لترتيب أمر الإعلام (الصحافة والحكومة).. كثير من الحذر وقليل من الود
العلاقة بين وسائل الإعلام والحكومات في أغلب الأحيان لم تكن على ما يرام منذ ان عرف الانسان الإعلام، فالمؤسسات الاعلامية تسعى جاهدة لنشر المعلومات والحقائق التي تريد ان تملكها للشعب باعتبار أن ذلك من واجباتها، في حين يرى المسؤولون ان هذه الوسائل تسعى للاثارة والتشفي، هذه هي العلاقة حتى في أعرق الديمقراطيات واقدمها، لذا تجد ان الاعلاميين ضحايا في كثير من الأحيان، وفي السودان هنا رغم انتشار المؤسسات الصحفية وتزايد عدد الصحفيين الا ان الحال ظل كما هو علاقة يسودها نوع من التوتر والاتهامات بين الطرفين من حين إلى آخر، مع نظرة فيها كثير من الريبة.
حكومة الانقاذ في بداياتها الاولى أوقفت كل المؤسسات الصحفية ومنعتها من العمل حتى ان كثيرا من الصحفبين وجدو أنفسهم عاجزين عن العمل ما دعا أغلبهم إلى الهجرة خارج البلاد او الهجرات الى مهن أخرى تؤمن لهم المستقبل. لتعود الحكومة بالتصديق لصحيفتي (الانقاذ) و(السودان الحديث) لتكونا نواة الصحافة في عهد الانقاذ لتلحق بهما فيما بعد صحف اخرى مازالت مستمرة حتى اليوم، وبذلك تعود الصحف إلى مزاولة نشاطها ونشر المتاح من المعلومات وتتوسع الاصدارات وتتنوع، لينشأ اختلاف جديد حول مفهوم الحرية والمسؤولية، حيث تتحدث الجهات الحكومية عن ان هناك مستوى من الحرية قد لا يوجد في العديد من الدول في المنطقة، لكن عاملين في الحقل الاعلامي يرون أن الحرية تكاد تكون شبه معدومة، بل ان الصحافة تعاني كثيرا في الحصول على الأخبار وظل الاختلاف بين الطرفين دون وجود تفسير محدد رغم التوافقات التي تتم من وقت إلى آخر، إذ ترى الحكومة ان التقصير يقع على الاعلام والعاملين في مجاله لأنهم يهتمون بالاثارة وتجاوز الخطوط الحمراء الامر الذي يمكنه ان يتسبب في أضرار للوطن، بينما يرى الصحفيون من جانبهم عكس ذلك، بل يمضون إلى تحميل الجانب الحكومي مسؤولية الكثير من التقصير والأخطاء التي قد تصاحب أداء الرسالة الإعلامية.
الناس على دين إعلامها
الرئيس عمر البشير، ظل يكرر في خطاباته عبارة “الناس على دين إعلامهم” وهي اقتباس وتعديل للعبارة المعروفة “الناس على دين ملوكهم” ما يعني ان الرئيس يعطي الاعلام اهتماما كبيرا ومقدرا، بل انه يرى أن للإعلام تأثيراً ودوراً يمكنه ان يقوم به خاصة وأن الحكومة الحالية واجهت أشرس حرب اعلامية ولم يكن الاعلام الحكومي ناجحاً في مواجهتها فترتب على ذلك تدويل الكثير من القضايا التي انعكست سلباً على السودان ككل، من بوابة الاعلام.
أزمة مكتومة
عاشت الصحافة العديد من الأزمات الداخلية تمثلت في عدم توافر المواد الخام ومدخلات المهنة وتهيئة الأجواء المناسبة وهجرة العديد من الأسماء الامر الذي جعل الامين العام الأسبق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات السفير العبيد مروح، يصف الصحف بانها أشبه بـ (الكناتين)، الأمر الذي قاد يومها إلى إثارة الوسط الصحفي على هذا التشبيه، وطالب العبيد مروح فيما بعد بضرورة دمج المؤسسات الصحفية لتقويتها ومعالجة بعض المشكلات التي تواجهها وظل ينادي بذلك الحلم حتى غادر منصبه وترك الصحف تعيش ذات المشكلات.
فكرة التطوير
كانت فكرة تطوير وسائل الاعلام حاضرة في اذهان الكثيرين من المسؤولين حتى أعلنت وزارة الإعلام عن عقد مؤتمر عام لتطوير الإعلام برعاية الحكومة شارك فيه العديد من الخبراء والمهتمين واساتذة الجامعات والصحفيين وتمت مناقشة العديد من القضايا التي تعتبر معضلات تواجه العمل الاعلامي وانتهى المؤتمر ولم تنته المشكلات بعد.
ميثاق الشرف
في منتصف سبتمبر من العام 2009م عقد رئيس الجمهورية اجتماعا جمع من خلاله كل رؤساء تحرير الصحف لمناقشة مشكلات الصحافة وبداية علاقة ودية مع الجانب الحكومي، وكان عربون تلك العلاقة توقيع ميثاق الشرف الصحفي بين جهاز الامن والمخابرات الوطني ومجلس الصحافة والمطبوعات والاتحاد العام للصحفيين السودانيين ورؤساء تحرير الصحف، واعدت الميثاق لجنة من رؤساء التحرير، وأكد الميثاق وقتها جملة من المعاني المهنية بهدف رفع الرقابة القبلية عن الصحف. وقد أصدر الرئيس البشير توجيهاته برفع الرقابة القبلية على الصحف بعد لقائه بآلية تنفيد ميثاق الشرف الصحفي. وحمل الميثاق محاذير يجب على الصحافة تجنبها، وشدد الرئيس على ان كل صحيفة لا تلتزم بضوابط ميثاق الشرف الصحفي ستتعرض استثناءً لعقوبات صارمة، وتم التوافق على الحرية التي تطلبها الصحافة، وخرج رؤساء التحرير حينها متهللين بمكاسب قد تحققت وان المستقبل يحمل لهم في طياته الكثير، الا ان الايام اللاحقة حملت أوقاتا وظروفا وأحداثا متباينة لم تسر كلها في اتجاه الانفراج الكاملة بين الصحافة والحكومة، لتعود العلاقة على دائرة الحذر وعدم الثقة بين الطرفين.
لم أقل هذا
في كثير من الأحيان تنقل وسائل الاعلام خبرا ما فيأتي النفي في اليوم الثاني من قبل الجهة التي صدر منها الخبر، وفي أحدث نموذج كان وزير المالية الحالي بدر الدين محمود خلال الايام الماضية محور اهتمام الصحافة المحلية، حيث نقلت وسائل اعلام تصريحا على لسانه في البرلمان بأن الحكومة بصدد رفع الدعم عن بعض السلع والمحروقات، الامر الذي أثار غبارا كثيفا ووجد الرفض من قطاعات واسعة وأثار الجدل، ليأتي الوزير في اليوم الثاني وينفي الخبر جملة وتفصيلا ويحمل صحفيين مسؤولية الخبر. ولاهمية الخبر وتأثيره وجد اهتماما خاصا من قبل رئيس الجمهورية ليذكر في خطابه خلال في مؤتمر قطاع الفكر والثقافة بالمؤتمر الوطني في قاعة الصداقة بان الاعلام قال حديثا لم يقله وزير المالية بل ان الرئيس اوضح بانه سيولي الاعلام اهتماما خاصا لمعالجة مثل تلك الأخطاء. وعقب خطاب الرئيس ذهب الكثيرون إلى أن الاعلام سيتجه نحو مرحلة جديدة غير معروفة المعالم فاهتمام الرئيس يعني المتابعة اللصيقة من قبل الجهات الحكومية لكل ما ينشر في وسائل الاعلام، وتوقع البعض أنه ربما يتم دمج بعض المؤسسات الاعلامية لتقويتها لتستطيع المواكبة.
تحفظات على البعض
لكن المؤتمر الوطني وعلى لسان نائب رئيس القطاع السياسي عبد الملك البرير أوضح ان اشارة الرئيس تلك تعني بان هناك تحفظات على بعض وسائل الاعلام لتناولها للقضايا، وان الاعلام يقوم بتضخيم الامور والسير بها في غير المسار الصحيح. ونفى عبد الملك في تصريح أمس الأول، ان يكون الوطني يسعى للتضييق على الاعلام، وقال ان الانفراج الذي حدث في الحريات ينفي اي اتجاه لتقليصها. والامر – حسب عبد الملك- ذهب لأبعد من ذلك حيث ذكر بان الرئيس كون لجنة لترتيب أمر الاعلام دون أن يفصح عن ماهية اللجنة أو أعضائها.
على كل، فإن كثيرين يرون أن تخصيص يوم وطني للإعلام، واتجاه الجهات الرسمية لتكوين لجنة للتعامل مع الإعلام، وإقرار حق الحصول على المعلومات، وأيا كانت النتائج وطريقة التعاطي مع الإعلام في الفترة المقبلة، فإن جديدا ما سيحدث وربما ينعكس إيجابا على المؤسسات الإعلامية، ما لم تكن هناك اجراءات تنقص من مساحة الحرية المتاحة وحق الصحفي في الحصول على المعلومات ونشرها وتمليكها للمتلقي، باعتبار أن مشوار الصحافة والحكومة طويل وتكتنفه الكثير من الصعوبات والمشكلات والعقبات والعراقيل التي يجب إزالتها سواء كان سببها الممارسة أو القوانين، والتوصل إلى اتفاق حد أدنى يعزز العلاقة والممارسة.
الخرطوم: الامين علي حسن
صحيفة الرأي العام