جمال علي حسن

الضوء الذي يأتي في غيابه

في ثقافة المشاجرات العادية والمواقف التي تحدث بين الناس في الشارع أو في طابور الغاز (قدامك وقدامي) أو أي خلافات في المعاملات المختلفة مع صاحب الدكان أو بائع الخضار أو الكمساري الخ.. نجد أن درجة حرارة (الشكلة) وتطور الانفعالات فيها وانتقالها من الملاسنة إلى المخاشنة نحو استخدام الأيدي.. هذا التطور كثيراً ما يرتبط بحجم الجمهور الموجود لحظة اشتعال الخلاف، فكلما قل عدد المشاهدين لمناقشات ومرافعات هذه (الشكلة) من جانب الطرفين كلما ساعد ذلك على احتوائها في وقت قصير بينما تتعقد تطورات المشاجرة (المحضورة) ذات المشاركة الواسعة من الأجاويد والمتطفلين.. هذه ملاحظة بحسب طبيعة شخصيتنا السودانية الشخصية التي تختزن تراكمات مهيرة بت عبود وأغنيات الحماسة وساحات العرضة في الأعراس وثقافة (الجلد)..
التقدم الطفيف لكتلة التفاوض المتجمدة والمتحجرة في أديس أبابا والزحزحة الإيجابية لها من نوايا الإفشال المسبق المتكرر والمجيء لتجديد وتأكيد الخلاف في طاولة التفاوض إلى نوايا الجدية والرغبة في معالجة الخلاف وتحقيق السلام كما حدث في الجولة غير الرسمية بين الحركة الشعبية والحكومة يؤكد أن أنجح اللقاءات تلك التي تتم بعيداً عن الشهود والحضور والوسطاء وأضواء الإعلام..
هكذا نحن نميل للتوافق كلما ضاقت قاعة المجلس الذي يجمعنا في اللقاءات النائية عن الأضواء والتعبئة والوساطة و(المديدة الحارة) بينما نتباعد أكثر وتتعقد أمورنا حين يكون النقاش تحت أشعة الشمس وأمام أو خلف الميكروفونات التي تنتظرنا خارج قاعة التفاوض.
الذين ينتظرون السلام ويحبونه عليهم أن لا يفاجأوا بالظهور المباغت لياسر عرمان في تلفزيون السودان، فروشتة الرائعة أحلام مستغانمي في فوضى الحواس (أجمل الحب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر)..
أعتقد أن الوصفة الناجعة والفعالة لاستمرار هذه الاختراقات وتطور التفاوض والانتقال به إلى منصات الانطلاق ومسارات الوفاق هي التقليل من الضوء الراصد والمنتظر والتقليل من وجود الوسيط نفسه ويا حبذا لو انحصرت وساطته في الحضور بصفة المستمع فقط أو عدم الحضور والاكتفاء بتهيئة مجلس اللقاء كخيار أفضل.
استمروا في الجلسات غير الرسمية.. اختلفوا واتفقوا.. واجعلوها متواصلة بلا كلل ولا ملل مع الاقتصاد في الأضواء.. حتى تنجبوا جنيناً من الضوء اللامع والفاقع بلون السلام حيث لن يحتاج راصده إلى (فلاشات).
نحن سعداء بقطرة الضوء تلك.. سعداء لأي بارقة سلام تضمد جراح هذا الوطن وتسعف جسده المنهك..
وفي ظل ما يعانيه هذا البلد فإن أي تنازل يتم تقديمه من أي طرف في طاولات التفاوض والحوار لصالح السلام والوفاق هو تنازل عظيم وموزون بميزان الذهب ومحسوب في الرصيد الوطني التاريخي والجماهيري لصاحبه وليس العكس.
وليكن عرمان مستعداً لحملات التخوين التي ستقودها أجسام هلامية إسفيرية من النوع الذي يمارس أسهل أنواع التخريب بسفك دماء الورود الصغيرة ودعسها تحت أقراص الكيبورد ولتستعد الحكومة أيضاً لاستقبال توترات الكارهين للسلام داخل دارها ودار حزبها الحاكم.
شوكة كرامة
لا تتازل عن حلايب وشلاتين