محمد عبد القادر : جون أكوت… (الوسيم القلبي رادو)
جون أكوت، قائد المرور في قصر الفريق سلفا كير حالياً، كان عنصراً فاعلاً فى تشريفة القصر الجمهوري بالخرطوم لمدة استمرت منذ العام 1974 وحتى العام 2011م.
فى إحدى زياراتنا الى جوبا برفقة الرئيس عمر البشير ترك أكوت نفسه بين أحضان رفقاء الدرب السابقين فى الخرطوم من أفراد طاقم التأمين والمراسم وبدا مسترسلاً في سرد أيامه الخوالي في الخرطوم.
ملامح أكوت حَمَلت فرحاً فصيحاً عبّرعن نفسه بتَهَدُّج الصّوت، ومقاومة دمعة رقراقة كانت تحاول النزول لكنها تستعصم بالبروتوكول وتلوذ بشرف المُهمّة الرسمية حتى لا تنحدر ساخنة ومُعبِّرة تحكي (ألم الفُراق)، وتستعيد (ماضي الذكريات).
أكوت عمل في السودان طوال حِقَب ثلاثة أنظمة بدأت بمايو وانتهت بالإنقاذ التي أوسعته حنيناً الى أبنائها داخل القصر الجمهوري، فقد حكى لي عن العُشْرة الطيّبة والأيام الجميلة والمودّة المتصلة التي جمعته بكثيرين في القصر.
حدَّثني أكوت عن شعوره الذي لا يُوصف، وأبلغني أن حنينه ما زال متوهّجاً للخرطوم التي عاش فيها سِنِّي عمره النضرات، حَمّلني تحاياه لـ (قشلاق النيلين) الذي عاش فيه طويلاً، قال انه يعلم بتحوُّله لعمارات غير أن ذاكرته مازالت تشُدُّه لذات المكان.
أكوت النبيل يُعبّرعن طبيعة العلاقة بين أبناء السودان في شماله وجنوبه، حنيناً متبادلاً وبوحاً بالاشتياق للأرض والناس، واحتفاءً بذكريات عزيزة جعلته يحدّثني عن علاقته المميزة بالفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية وزير شؤون الرئاسة آنذاك ويتوقف حينما يحاصره الشوق والاعتزاز بعلاقة إخاء وصفاء خالدة: (الفريق بكري ده زولنا).
أكوت سألني عن الخرطوم (وناسا)، شوارعها وضجيجها، وهدوئها، ليلها ونهارها، أرضها وسمائها، فالرجل مازال ولعاً بأرض عَاشَ فيها جُلّ عُمْره وفارقها حينما وقع الانفصال مثله والملايين من أبناء جنوب السودان.
حدّثني أكوت عن منزله بالأزهري وفلذة كبده التي استأمنها الخرطوم، قال لي إنّه زَارَ العاصمة قريباً مُسْتشفِياً، وقد كانت المرة الأولى بعد الانفصال، الرجل يتمنى أن تمضي العلاقات بين البلدين بشكل يُعبّر عن دواخله التي تحلم بان نكون – الجنوبيين والشماليين – (زي ما كنا أول)، قلت له (انحنا البينا عامرة) قال لي نحن إخوة وأكثر.
حدثني أكوت عن ذائقته التي لم تبرح بعد عشق الأكل السوداني وحكى لي عن إدمانه لغناء كبار الفنانين.. سيد خليفة وعثمان حسين، وقال إنّ فنّانه المفضل مازال الفنان أحمد المصطفى، وبدا يسترسل لتَذَكُّرأغنيته المفضّلة، قلت له: الوسيم القلبي رادو.. كرّرها وسرح بعيداً ربما أعادته الأغنية إلى الخرطوم جنة (رضوان)، فالجنوبيون يُحبونها مثلما نعشق جوبا ونغني لها.
ودّعتُ أكوت وأنا ألعَنُ (سنسفيل) السياسة والأجندة والمؤامرات التي قسّمت قلب هذا الشعب الى نصفين، وجعلت أحدهما ينزف هنا والآخر هناك، ملامح أكوت بفصاحتها الحنينة كانت تعبّر عن وجدان جوبا التي استقبلتنا بـ (حُنُوِّ المُرْضعات على الفطيم).
وقسمات الرجل كانت تتحدث بلسان كل من التقيناه من أبناء وبنات الجنوب، وربما عبرت كذلك عن القيادات في البلدين وهم يُفْرحون هذا الشعب بزيارة منحت أمثال كوت حق ان يحلموا من جديد بتواصل يوظف الانفصال كإجراء ينظم العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ندمت النخبة على انفصال الجنوب وعادت نغمة الدعوة للوحدة من جديد.. فما رأيكم دام فضلكم؟.
يُعاد نشره