أمثال شعبية درر
ظللت لحين طويل من الدهر مولعاً بالأمثال الشعبية المصرية، وربما كان ذلك بسبب حصولي في سن مبكرة، على قاموس محمد تيمور لتلك الأمثال، ولكن هناك مثل شعبي مصري لم أفهم معناه ومرماه، ومؤداه ان الخروج من الحمام أصعب من الدخول فيه، كما أنني لا أفهم عنصر الصعوبة والتحدي في أن أقول “تلت التلاتة كم”، ثم عثرت على كتاب بابكر بدري عن الأمثال السودانية، وكتب أخرى حول نفس الموضوع، وكنت كمن عثر على كنز، وفرحت جداً بالاطلاع على أمثال أهل الأرياف والأطراف، لأن معرفتي بالأمثال المسهوكة/ المستهلكة في الحواضر كانت طيبة: كان عشقت اعشق قمر/ ضربني وبكى.. / وباب النجار مخلع (ما العيب في ذلك؟ وهل نتهكم على الطبيب إذا مرض؟)
من أبلغ الأمثال “الطرفية” ذلك الذي أتانا من كردفان، بعد أن فرضت أغنياتها على عموم البلاد وبرز منها إعلاميون أفذاذ، ومن منا لا يعرف أن “ألمي الحار ما لعب قعوي”؟ وأن معناها أن الماء الحار ليس المكان المناسب لعيش القعوي (الضفدع)، وأنه على الإنسان المجازفة بالخوض في أمور شائكة “أكبر منه”، أما إذا كنت ضفدعاً، وخضت في الماء المغلي، فحاول الخروج منه إلى اليابسة، بأسرع ما يمكن، ولا توهم نفسك بأنك – مثلاً – إذا غطست فستجد ماء بارداً، فالمثل الآخر يقول: الشطة اذا حرقتك ما تشرب مويه مغلية.
وهناك أمثلة بليغة تلخص حال النساء، فالبنت التي تتطلع إلى الزواج، يقول لسان حالها: أبوي بالو بال، وأمي بالها، وأنا بالي بال , أبوي داير اليستر الحال , وأمي دايره اليجيب المال، وأنا دايرة الصبي القدال. وتأمل كيف يلخص هذا المثل عقليات جيل الآباء والأبناء، وإن كان فيه تحامل على النساء، فالأب يريد لبنته السترة، والأم تريد لها العريس الشبعان، بينما هي تريده “قندف”، ومن الناس القيافة / حبينا اللطافة! ومثل هذه البنت الدايشة “هبلة ومسكوها طبلة”، ولا تعرف أن “ الناس زي الهدوم فيها الراقي وفيها الزي جناح أم جكو”، وجناح أم جكو جلباب له “وجهان”، ولا تعرف له “عدَلة أو قَلَبة”، وقد يكون من صنف “فى الوَشْ حَبايب وفي القَفَا دبَايِبْ?، ولكن إياك يا فتاتي أن تعملي بنصيحة من يقول لك “الراجل أفجخي بصلة قبل ما يبقي أصلة”، فقد يضطر إلى ذبح الكديس وتروحي فطيس.
وأنت أيها الشاب، لا “تدبرس” إذا طختك الحبيبة شاكوشاً قوياً، فقد تفعل ذلك مكرهة، فـ”إذا عرسوا خطيبتك يكون العيب في نسيبتك”، وليكن عزاؤك قول الحكيم: وحـــــــب البيحــــــبك والبدكك دكو / وامسح إسمو من خارطة ضميرك حكو/ شتتو في الخلا, وعكس الهبايب فكو، وقديماً تغنى مطربنا: المقدور وقع ما بينفع الجقليب، وتساءل المطرب إبراهيم عوض: ليه بنهرب من مصيرنا؟ فلو طارت الحبيبة فهو القدر و” الجاياك ما بتختاك”
ويا ابن آدم أعرف قدراتك وإمكاناتك، واستخدمها على الوجه الأمثل، وبلاش “ شلاقة الورل الفيهو أربعة كرعين ويمشي على بطنو”، كي لا تكون من الخاسرين، الذين يصدق عليهم القول “حظ الكيشه إن وقع يلقى الأرض ما فيشه”، وتعيس الحظ هو من يجد العظم في الكرشة، فلا تكن ممن قيل فيهم “بعد ما كنت تربال بقيت أروتي”، والتربال كلمة ذات أصل نوبي تعني المزارع أما الـ”إرْوَتِّي” فهو الصبي الذي يجلس على تُكُم (مقعد) الساقية ويحث الثيران على الدوران، ودوره ثانوي في مجال الزراعة.