صلاح حبيب

حببوهم في المدرسة ولا تنفروهم!!

ما عادت مقولة أهلنا للأساتذة “ليكم اللحم ولينا العظم” و”الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم” ما عادت موجودة، وما عاد التعليم كسابق عهده عندما كانت بخت الرضا تخرج معلمين أكفاء يراعون العملية التعليمية والتربوية، وما عاد تلاميذ الماضي هم تلاميذ الحاضر، وما عادت سن التحاق التلميذ بالمدرسة سبع سنوات كما كان في الماضي، الآن التلميذ يدخل المدرسة في سن صغيرة تحتاج إلى الرعاية والملاطفة وتحبيب التلاميذ في المدرسة بدلاً عن تنفيرهم وإحداث شرخ داخلي لا تتم معالجته حتى لو انتقل إلى المرحلة الأعلى.. في مدارسنا أصبح همّ المعلم كيف تتحصل المدرسة على مركز متقدم على بقية المدارس!! وأصبحت إدارات المدارس تضغط على التلاميذ وهم في هذه السن الصغيرة لتحافظ المدرسة على ترتيبها الأول ولا تهمهما نفسيات أولئك التلاميذ وما يحدثه هذا الضغط النفسي عليهم حتى ولو أدى ذلك إلى ترك المدرسة نهائياً أو أصيب بمرض نفسي.. التعليم في بلادنا يحتاج إلى أساتذة مؤهلين كالذين خرجهم بخت الرضا آنذاك.
في المدارس، الأساتذة كلٌ يحمل خرطوشاً في يده ويجوب أطراف المدرسة ذهاباً وإيجاباً، كأنما هو في زريبة بهائم، يردع التلاميذ ما يجعلهم في حالة خوف ورعب مستمرين، فبدلاً من ملاطفة التلاميذ وتحبيبهم في المدرسة أصبحوا يكرهون التعليم حتى ولو كانوا من المتفوقين.. فهناك تلاميذ صارت تلك الخراطيش السوداء وغيرها من الألوان المستخدمة منفرة لهم، وربما يتمنى أحدهم الموت بدلاً عن الذهاب إلى المدرسة، وأحياناً قد يتمارض عندما تقف عربة الترحيل أمام الباب ويصاب بالخوف والفزع ولا يستطيع النهوض من مرقده، ولا يعود إلى طبيعته إلا عندما يسمع صوت تحرك عربة الترحيل ومغادرتها.
في الماضي كانت المدارس تزرع الأمل في التلاميذ، فينتظرون متى يصبح الصبح حتى يعودوا إلى المدرسة عكس ما نراه الآن من الأبناء الذين يكرهون المدرسة جهراً أو صمتاً، وهناك العديد منهم مغلوب على أمره ولا يفصح عن ذلك إلا سراً لأقرانه.
في صحيفة (الرائد) عندما قامت الصحيفة آنذاك بحملة ضد “جلد التلاميذ”، كانت الاتصالات الهاتفية من الطلبة تترى علينا، لكنهم يطالبون بعدم ذكر مدرستهم أو أسمائهم.
في الزمن الجميل للتعليم لم نرَ “السوط” إلا في حصة التسميع حينما يطلب الأستاذ من أحد التلاميذ أن يأتي به من المكتب.. ولا أتذكر أنني رأيته طوال فترة الدراسة إلا مرات معدودة، لكن ما زلت أتذكر وأنا صغير عندما كنت بالصف الثاني ابتدائي عندما صفعني أستاذ يسمى “أبو عائشة” في حصة العربي تقريباً.. ما زلت أتذكره بـ”شلوخه”، ولم يغب عن ذاكرتي أبداً.. ولو كنت مثل تلاميذ هذا الزمن الذين يلتحقون بالمدرسة في سن الخامسة لتركتها وقتها نهائياً.
يجب على وزارة التربية والتعليم أن تمنع “الجلد” تماماً وأن لا يرى التلاميذ تلك السياط التي تصيبهم بالرعب وتدخلهم في حالة نفسية.. نسأل الله أن يشفي تلاميذنا منها، ونطالب وزارة التربية أن تعيد السن القديمة لالتحاق الأطفال بالمدارس “سبع سنوات”، وأن يكون السلم التعليمي أربع سنوات لكل مرحلة حتى يتساوى جميع التلاميذ في العمر بدلاً عن تلميذ عمره خمس سنوات وآخر ثلاث عشرة سنة، وأن يمنع “الجلد” تماماً ويعاقب أي أستاذ إذا لجأ إليه.