زهير السراج

أغربوا عن حياتهم !!

* الحركة الإسلامية السودانية ليست سوى حزب سياسي، ومثل معظم الأحزاب السودانية فإنها تتصف بالانتهازية والأنانية وقصر النظر والعداء للآخرين، بل هي أسوأ بكثير، لأنها تستغل الدين في خداع البسطاء وتحقيق مصالحها الذاتية الضيقة !!
* هذا ما اكتشفه ( راشد عبدالقادر)، ابن الحركة الإسلامية، الذي ترعرع فيها وعشقها برومانسية فريدة وأخلص لها واجتهد لإعلاء كلمتها، واعتبرها في( لحظة وهم) وطنه الوحيد الذي يستحق عرقه ودمه وحياته وروحه، مثل معظم الذين انبهروا بها وخدعوا بأفكارها قبل أن تستولي على السلطة، وعندما استولت عليها زال الوهم وانقشع الظلام، وظهرت الحقيقة ساطعة كالشمس بأنها ليست سوى جماعة سياسية انتهازية تعلي مصالحها الضيقة على مصلحة الشعب، وتعتبر الوطن ملكاً عضوضاً لها تتصرف فيه كما يحلو لها، وتحرم منه الآخرين!!
* لم يتردد راشد في أن يعترف بكل جرأة بالوهم الذي عاش فيه، وأخلص له، فبدأ ينزف دماً على الورق، يدبج المقالات لائماً ونادماً ومعتذراً. كتب أمس ما يستحق القراءة والإعادة والتأمل، أنقل منه بتصرف:
* ملايين العابرين في الطرقات، الخارجين من بيوتهم بحثاً عن لقمة خبز لأطفالهم وقطعة قماش للسترة وشيء من الأمن وكتاب للتعليم وجرعة دواء وشبح ابتسامة باهتة.. ملايين ليس لهم ناقة في (الحركة الإسلامية وفكرتها)، وليس لهم جمل في (الحركة الشعبية وتصورها)، ليس لهم انتماء لجنينة السيد علي ولا قبة المهدي ولا جلسات الرفاق .. ليس لهم انتماء إلا لأرضهم ومزارعهم، أرضهم التي أصبحت لا تنتج الا الحصرم، أرضهم التي ينظرون إليها مد البصر والسماء ممطرة والنيل يجري وليس بين يديهم إلا العجز ليحصدوا به الخراب ويبحثوا عن (علبة صلصة) يتحكم فيها سعر الدولار وسعر الرصاصة ووقود اللاندكروزرات. إن تمسكت بالأرض لن تجد الا غول البنك الزراعي وأسوار سجن المعسرين.
* ملايين من الناس ليس لهم انتماء الا لأبقارهم وأغنامهم .. لن يجدوا الا الموت على تخوم صراع القبائل لشح المراعي، ولا بئر ولا دونكي ولا تردة ولا حفير. كل مسار يفضي الى قبيلة، وكل قبيلة لها ألف سلاح، وألف فارس سيموت ولا يدري لماذا. ليس لهم الا بيع قطعانهم أو تركها للخراب ليبحثوا عن (نص ربع كيلو) في جزارات لا تبيع الا لحوم الحمير واستبدال الموت السريع بالموت البطئ.
* الملايين لا يريدون الأيدلوجيا، ولا يريدون حزباً ولا حكومة ولا حركة إسلامية، ولا حكومة تنتمي كذباً وزوراً الى الله تعالى .. لا يريدون حركة شعبية وعبارات ضخمة من شاكلة الصراع الطبقي والعدالة الاجتماعية. أميون هم لا يعرفون كارل ماركس، ولا حسن البنا، لا يفهمون صراع السلفية لأن ابن تيمية يقول كذا، ولا مناجزة الصوفية لأن عبدالقادر الجيلاني نفى أو أكد كذا، لا يريدون تقسيم السلطة ولا توزيع الثروة .. يريدون جرعة ماء ولقمة خبز، يريدون فقط أن يعيشوا ويتربى أبناؤهم بين أيديهم، أن يشاركوا جيرانهم الأفراح والأتراح، لا يحلمون أبداً أن يكونوا سفراء أو وزراء أو رؤساء، لا يريدون أن يكونوا عقائديين .. يريدون أن يكونوا عاديين، لا يتقاتلون من أجل الأيدلوجيا ولا لحزبي ولا لحزبك، ولا ينتمون الا لأنفسهم وأحلامهم، الآن ليس لهم أنفسهم ولا أحلامهم، ولا زرعهم ولا أغنامهم، ليس لهم الا الموت والفقر والخوف .. مقتولون من الجميع، هم فقط وليس غيرهم هم الوطن، اغربوا عن حياتهم وعن التحكم في مصيرهم، وحينها فقط سيعود كل شئ إليهم، بل سيعود لنا .. الوطن !!
الجريدة

تعليق واحد