رأي ومقالات

(أحضان النيّل) !!

ـ 1 ـ
أشتاق أحياناً لممارسة هوايتي متعة الكتابة كحال أرض جدب تنتظر الغيث ، عندما أمسك بالقلم أشعر أنني أروى ظمأي بكوبٍ باردٍ من الماء في صيف قائظ، يلهب الأجساد ، الصداقة و الحنين للقرطاس والقلم ظل مرافقاً لي منذ طفولتي الباكرة عندما كان والدي ( رحمه الله ) يخط لي بأصبعه على الأرض تحت ضوء القمر الساطع في قريتنا الوادعة ، وأنا أقلّد بأناملي اليافعة خطه الجميّل ، كنت أحاول أن أسابقه في جمال رسم الحروف ، وعندما اشتد ساعدي طلبت السباق وقلت له ( هذه بتلك ) وأذكر أنه ضحك حتى دمِع ، فقد كان خطاطاً بارعاً كما كان يجيّد فن التعبير كما يجيّد ويحب بإسراف مهنته ( التدريس ).

حاولت أن أنقل هذه المتعة إلى أطفالي كما كان يفعل والدي ، وجدت أنني أفتقد الأرض والقمر والصبر ، التي كانت وسائل والدي في التعليم ، كما وجدتهم يعيشون في زمان ليس زماني ، ووسائل غير وسائلي في زمان النوت والجلكسي والآي باد !

ـ 2 ـ
الأديب الأريب الأستاذ الجامعي الدكتور الطاهر مصطفى ، رجل يفيض بالعلم والثقافة وتتدفق من على شطئه ، فينبت الزرع ويدر الضرع من هذا الإرتواء ، يتذوق ما يقرأ بلسانه ، ويطرب لفصاحة البيان وجمال التعبير وخصب الخيال ، فهو نعمة من أنعم الله حبانا بها ، قال لي في عدة مناسبات أن أنفاس قلمك لاتناسب عكر السياسة وأمواجها المتلاطمة التي تحمل النكد والغمّ ، وليتك تحول هذا المداد يوماً ليرسم لنا ( رواية ) من وحي بيئتنا الخصبة ، تمنِيّ صادف إلهامي ، ولكن من أين أجد الوقت والصفاء ، و ( صفاء ) التي تُحبني متعبة منهكة مع العمل والأبناء ورغم مابها من رهق أرمي عليها بعض الأعباء ، فأجدها جوادة كريمة تعطينا بسخاء دون أن تكل أو تئن .

ـ 3 ـ
أخيراً بدأت أكتب لأشبع رغبتي الجامحة التواقة لتحكي عن بيئة ثرة ساحرة خصبة للخيال محشودة بالأحداث ، تنام في أحضان النيل ، ولدت فيها وترعرت وتفتحت عيناي على عيون الطبيعة الفاتنة الناعسة وأهلها البسطاء الكادحين الذين لايعرفون غير الماء والقمر والأعاصير والزهور ، بيئة مكتنزة بالجمال والأحداث ، العم ( فتاح ) الذي حملني على كتفه ذاهباً بي إلى دارنا وأنا يافع بعد أن أرخى الليل سدوله ، وقد غشاني النعاس بجوار ( صبر نعمة ) إمرأة تحبني وأحبها كسائر نسوة القرية ، كادحة بسيطة تعيش لوحدها في غرفة من الجالوص معروشة ( بجريد ) النخل وأعواد السيسبان القديمة التي أشقتها السنين . من هنا تمخضت رواية ( أحضان النيل ) باكورة عملي الروائي ، التي سترى النور قريباً بإذن الله .

إلى لقاء ..

من الآخر – بقلم : محمد الطاهر العيسابي
Motahir222@hotmail.com

تعليق واحد

  1. شكرا استاذنا العيسابي والتحية موصوله للدكتور الطاهر مصطفي بجامعة افريقيا العالمية ومن خلالكم نتنفس عبير بلداتنا الحنون تنقسي الجزيرة عب رالاثير….