سياسية

تغريدات سياسية … الكـــرة في ملعـــب الرئيس

في مقال له في العام 2014 بعنوان(الكُرَةُ في مَلْعَبِ الرَّئيس: تفكُّك الدَّولة السُّودانية: السِّيناريو الأكثر تَرجيحاً)يري الكاتب والمفكر والقيادي بالحركة الشعبية د.الواثق كمير، أنّ هنالك ثلاث سيناريوهات للأزمة السودانية: السيناريو الأول:»الإبقاء على الوضع الراهن:وهو أن يستمرَّ الوضع الراهن، ولو بتغييرات بسيطة وسطحية في الشُخُوص والمواقع وبعض السياسات، استجابة لنداءات الإصلاح من داخل الحزب الحاكم والحركة الإسلامية وتهدئة عضويتها الساخطة، دون مساسٍ جوهري ببنية السلطة وتركيبة الحُكم.
أمّا السيناريو الثاني:»تفكك الدولة: ويفترض هذا السيناريو تصاعُد العمل المسلَّح، في شكل حرب العصابات، أو الزحف على مركز السلطة، بهدف ممارسة ضغوط متواصلة، جنباً إلى جنبٍ مع جهود المعارضة السلمية، التي تقوم بها بقية القوى السياسية السودانية، من أجل إسقاط النظام في الخرطوم».
ومع ذلك، يرى كمير أنّه «لا يمكن للنضال المسلح أن يحقق هدفه المتمثل في الإطاحة بالنظام بدون دعمٍ سياسيٍ من كل القوى السياسية العازمة على التغيير، بما في ذلك الإسلاميين بمختلف أطيافهم».
وبالنسبة للسيناريو الثالث: «التسوية السياسية الشاملة: فهو السيناريو الوحيد الذي من شأنه أن ينقذ البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، ويحول دون انهيار الدولة، ويحافظ على وحدة أراضي السودان. ويُفترضُ أن يتم التحوُّل الديمقراطي سلمياً بتوافُق كل القوى السياسية – بالطبع بما في ذلك المؤتمر الوطني، وقوى التغيير الآخرين خاصة الشباب (نساء ورجال)، دون إقصاء أو استثناء – على مشروع للتغيير يفضي إلى الانتقال من هيمنة الحزب الواحد إلى التعددية السياسية نحو بناء دولة المواطنة السودانية التى تحترم التنوع.
ويشكل هذا التحول هدفاً رئيساً لاتفاقية السلام، والذي فشل الشريكان في الحُكم، خاصة المؤتمر الوطني، وبقية القوى السياسية، في تحقيقه خلال الفترة الانتقالية».
ويعتبر الكمير أنه ما زال لدى الرئيس البشير فرصة ذهبية في لعب دور تاريخي حاسم، الأمر الذي سيحوِّله إلى بطلٌ قومي وزعيمٌ سياسي، يقود من خلاله عملية توافُقٍ سياسي على برنامج وطني يستجيب للتحديات الجسام التي تكتنف الأزمة الوطنية الماثلة، وعلى آليات تنفيذه. فلدى الرئيس صلاحيات دستوريَّة واسعة تتيح له تطوير حزمة من الإجراءات والتدابير اللازمة التي من شأنها أن تجنب تدهور الأزمة والانحدار نحو السيناريو الثاني.
ويختم الواثق الكمير بالقول:»أنا مدركٌ لأن ما طرحته من اقتراح سيرفع حواجب أعيُنٍ كثيرة، وقد يبدو مُرُّ المذاق لبعض الأطراف، وشاقٌ على نفس البعض الآخر، إلا أنه يهدف إلى وضع حلٍ سلمي للأزمة الوطنية المحتدمة، وبالتالي تجنُّب انهيار الدولة السودانية، وإحباط الحلول المفروضة من الخارج. وبالمثل، لستُ بحاجة لأن أؤكد بأن اقتراحي يتوقف على اعتراف الرئيس، وكذلك المؤتمر الوطني، بأن نطاق وحجم الأزمة السودانية والمخاطر التي تهدِّد وجود الدولة نفسها، أكبر بكثير من كل تجاربهم السابقة، مما يجعل اللجوء إلى المقاربات المعتادة والوصفات الجاهزة مجرَّد ممارسة عقيمة. إن التحديات التي تجابه البلاد حالياً أضخم بكثير من قدرة أي حزبٍ أو تنظيمٍ على معالجتها بمفرده».

رئيس لجنة الهوية البروفيسور أبوطاقية

كانت ليلة سمر أكثر منها منتدى فكري، ذلك الذي استضافه منتدى يثرب الفكري، والذي يستضيفه د.حيدر القاضي بمنزله، والذي يُسميه الأستاذ فتح العليم عبد الحي أمين مجموعة (سائحون) المرشد العام للمنتدى.
استضاف المنتدى البروفيسور علي عثمان محمد صالح رئيس قسم الآثار بجامعة الخرطوم، وحالياً رئيس لجنة الهوية بالحوار الوطني، فقد قام بتنقيب كل الأحجار والجبال والحفر والأنفاق والمنعطفات والمنزلقات التي مرت بها الهوية السودانية.
البروفيسور له غرام خاص مع الطاقية التي يرتديها مع جلبابه، فهي لا تُفارقه أبداً وفي نفس الوقت لا يضع فوقها العمامة حتى بعد أن تحدث معه أهله وقالوا له: أنت أصبحت شخصاً مهماً أستاذ في جامعة الخرطوم، وتظهر في التلفزيون.
في أول اجتماع لرؤساء اللجان مع رئيس الجمهورية وجد كرسيه رقم أربعة(4)، فقال لطاقم المراسم أضعوني في الكرسي رقم ثمانية(8)، فلما قالوا له لماذا؟ قال لهم حسب ثقافتكم العربية والإسلامية مفترض تكرموا حتى سابع جار، وأنا ما عاوز كرمكم.
قال البروفيسور: لقد قلت للرئيس بعد حديثه المشهور في القضارف بعد انفصال الجنوب، إنّ مشكلة الهوية بدأت الآن.
في أول حديثه قال: الهوية أمر ثقافي بالضرورة ولا يكون سياسياً إلا استثناءاً، وذلك عندما تطغى السياسة على الثقافة وعندما تتعقد الأمور وتصل إلى حد الحرابة.
وشدد على أنّ اعتراف الحكومة بالهوية هو انتصار كبير وهو – حسب رأيه – الإعتراف الأكبر.
وقال بكل فخر وإعزاز أنا علماني واتحادي ومعارض كان محكوم عليّ بالإعدام، وجئت مع الشريف الهندي، وكذلك أنا محسي ما عندي شغلة باللغة العربية وما بفهم بيها كتير، ولكن الثقافة العربية لها مكونات مهمة وأساسية، ولخّصها في الآتي: القبيلة والدار والجار، والغريب.
ولكن وكما قال البروف علي عثمان محمد صالح: إنّ هناك بعض أعضاء لجنة الهوية طالبوا بإلغاء القبيلة، فقلت لهم لا يُمكن ذلك، فهي تنظيم اجتماعي اعترف به حتى القرآن نفسه، وهي موجودة في القرآن، فاندهش بعضهم، فذكرت لهم الآية الكريمة» وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم «.
وأجمل ما قاله البروف في المنتدى:إنّ اسم السودان له تاريخ ومعنى وبريق، وحتى بعد الإنفصال، حيث اختار الأهل بالجنوب من بين مئات الأسماء اسم(جنوب السودان) حتى لا يفكوا ارتباطهم بهذا الإسم الجميل والعظيم.
وقال: إن جميع الأحزاب تتحدث عن الحقوق وليس الواجب، وأيضاً هناك حكومة ودولة والحكومة لا تملك ثروة الوطن، لذا فهو يعتقد أنّ تقسيم الثروة والسلطة تعبير خاطئ.
وعن الأحزاب الكثيرة والتي قاربت (التسعين) حزباً، قال: الحكومة ما شغالة بيهم، والمعارضة تُسميهم(أحزاب الفكة)، ولكن أقول وبكل صدق: إنهم وبنسبة 75% كوادر وعارفين لقضيتهم، وأحسن من بعض الأحزاب الكبرى.
وتمت في الأوراق مناقشة الهوية السودانية بما تحمله مدرسة الإستمرارية والتطور، وكذلك الهوية القطرية، وتعني الإنتماء للقطر، وهي تعني من كانت أصوله في السودان وفروعه في الخارج، أو فروعه في السودان وأصوله في الخارج. فهناك (4.5 مليون) أصولهم في غرب إفريقيا، والرشايدة أتوا من السعودية.
وأكّد أنه لم يكن ثمة حديث كثير عن الهوية الإسلامية والعربية، حتى لا ترتبط بإثنية أو دين، وقال صدقوني لأول مرة يتم الحديث عن هوية الشعب السوداني وليست الدولة السودانية.
ثم عدد المدارس المختلفة في تعاملها مع موضوع الهوية، وأول هذه المدارس هي حتمية التاريخ: وهي تُعنى بالأحداث التاريخية الكبرى، مثل دخول العرب في السودان. وهي التي رفضت التحالف بين الإتحادي الديمقراطي وحزب البعث العراقي، وتقوم على مفهوم الأغلبية والأقلية، واعتبرها السبب في إفشال الحركة الوطنية.
وهناك مدرسة الغابة والصحراء المشهورة، وأباداماك، ولجأت إلى تقسيم السودان جغرافياً بالأقاليم، وانتهت بجغرافية التاريخ(قديم\حديث).
وهناك مدرسة الوحدة في التنوع وحاولت تأطير السابق وتبناها اليسار، وهناك مدرسة الإستمرارية والتغير، والتي أسسها علماء الآثار، ثم كانت مدرسة النخبة وأسسها منصور خالد، وهي سبب هذه المشاكل وهي التي حولت البلد إلى يسار ويمين. ولذا لابد من تفكير جديد.
وفي ختام الحديث تحدث عن مواضيع لجنة الهوية، وأهمها الهوية واللغة، الهوية والدين، الهوية والجغرافية، الهوية والتاريخ، كما وأوضح أنّ أكبر ثلاث معضلات هي: الهوية والثقافة، الهوية وثقافة السلام، والهوية والعولمة.

بندقية الحركة الإسلامية
كان كل شيء مستمد من الجماعة بمصر:الاسم، التنظيم،الأفكار، البرامج وحتى الأطر والمواعين التي من خلالها يتم تنفيذ البرامج، مثل الكتيبة والأسرة والأمير والنقيب، وهي أسماء لو تلاحظون لها مدلولات عسكرية، وكان ذلك قبل(السودنة) على يد الترابي(وهي مرحلة رفض الانضمام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين).
كان كل منهم في ذلك الوقت يُحدّث نفسه بالجهاد، ورد عدوان المستعمر، وكذلك مقاومة وتحطيم الحكومات(الجاهلية) – حسب تعبير سيد قطب – وكل هذا على المدى القريب، أما الهدف البعيد فهو نشر الإسلام في كل الدنيا وتحطيم إمبراطورية(الفرس والروم)، وهي تعني بمفاهيم ذلك الزمن(روسيا وأمريكا).
كل هذه المعاني والأفكار والخواطر جعلت التدريب شبه العسكري في الكتيبة أمر لازم وواجب. والكتيبة مصطلح تنظيمي وهو عبارة مجموعة من العضوية يرأسها أحد الإخوان وعادة يُسمى(الأمير)أو(النقيب)، وكلها ترفع شعار:»الله غايتنا، الرسول قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».
العمل يسير بكل هدوء، والتجنيد(وهو عملية إدخال عضو جديد للتنظيم)يتم عبر الإتصال الفردي، فالدعوة – كما يصفها أحدهم – ما زالت في عهد الدعوة السرية.
وفجأة دخلت الساحة في منعطف خطير ومختلف، فقد ضربت الموسيقى العسكرية، وتم إذاعة البيان الأول، انقلاب عسكري!! معقولة بس !! قال أحدهم، ونحن متين أخدنا استقلالنا! وسأل آخر بحزم: طيب الرئيس السوّا الانقلاب دا منو؟
دا ما صاحبك الفريق إبراهيم عبود. ياخي ما معقول الراجل الطيب دا!؟ أول امبارح شفتوا في بكى في بحري.
خلي بالك يكون وراهو أمريكا! لا لا، الحركات دي بتشبه الشيوعيين ! يكون دي روسيا!؟
وبينما هم في نقاش محتدم، دخل عليهم أحدهم وكان معروف بالعمل المتعلق بالمعلومات أو(العمل الخاص)زي ما بيسموا الجماعة في اليومين دي، فقال لهم الظاهر الحكاية دي وراها ناس البلد دي ذاتهم لا امريكا ولا روسيا، شايف ناس الأحزاب الماسكين الوزارات الكبيرة ساكتين، مافي تعليق ولا انتقاد ولا مظاهرات ولا حتى اي نوع من الأعتراض أو المعارضة.
ما علينا المهم أنو نعمل حسابنا وحساب جماعتنا واخوانا، وما يقوم يحصل لينا الحصل(للإخوان)في مصر، والناس دي اليومين دي يقللوا الإجتماعات والحلقات لحدي ما الأمر ينجلي.
وفي النهاية الجماعة قرروا مقاومة النظام الجديد باعتباره أجهض الديمقراطية وحظر الأحزاب ونشاطاتها، ولكن حسب طريقتهم الخاصة وحسب مقدرتهم وطاقتهم.
فتبلورت هذه الأفكار بصورة واضحة وظهرت في المناقشات الأولية لمقاومة نظام عبود، حتى طرح عليهم الأستاذ الرشيد الطاهر بكر المحامي أمراً وقع عليهم كالصاعقة أو القنبلة وهو الاشتراك في انقلاب عسكري ضد الفريق إبراهيم عبود، وكان الإنقلاب جاهز وهو بقيادة العقيد علي حامد، ولكن فقط يحتاج لدعم الجماعات والأحزاب المعارضة للفريق ابراهيم عبود.
وقال لهم الرشيد الطاهر بكر:»إذا كان عندنا اخوان في الجيش حقو نشترك في الإنقلاب دا»، فرفض مكتب الجماعة رفضاً تاماً وبالإجماع.
وهنا كانت المعجزة والمفارقة حيث كان للجماعة(بندقية واحدة فقط)ومن النوع الذي يُمكن أن نُطلق عليه وبارتياح(دقة قديمة)يعني ما شغالة وتُستخدم للتدريب فقط، وشكلها موروثة من المهدية أو الحرب العالمية الأولى، فقام أعضاء المكتب بوقف عمليات التدريب الروتيني الذي كانوا يقومون به.
ثم كلفوا مجموعة من الإخوان باستئجار مركب لتقلهم إلى وسط البحر، بعضهم اخترع أن تتم العملية ليلاً، ولكن اعترض آخرون بحجة أنّ ركوب المركب ليلا ملفت للنظر وخاصة ونحن ما(سمّاكة)، فاستقر الرأي أن يكون الوقت المناسب هو وقت الظهر والشمس في كبد السماء، وركبوا في المركب، وعندما وصلوا إلى منتصف البحر قذفوا بالبندقية الوحيدة(اليتيمة)داخل البحر، ويا دار ما دخلك شر.
وكما قال فنان المناصير عيسى بروى في رائعته(أمونة بت الشيخ حمد) القصة الأكثر تراجيديا في أغانى الشمال:» وفجأة موج النيل عِلا وأمونة راحت للأبد «.
والفرق أنّ أمونة ألقت بنفسها، ولكن البندقية أُلقيت.
وكما قال ايليا أبوماضي في قصيدته قد سألت البحر يوماً: وهذه المرة السائل هو البندقية التي رُميت في البحر حيث يقول السؤال:
أنت يا بحرُ أسيرٌ آه ما أعظم أسركْ
أنت مثلي أيها الجبارُ لا تملك أمركْ
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذركْ
فمتــى أنــجــو من الأسر وتنجو؟ لست أدري !
واشترك الرشيد وحده في هذا الانقلاب، وقُبض عليه وحُكم عليه بخمس سنوات سجن من(1959-1964)وذلك مع آخرين.
ثم شاركوا في مع المقاومة الفلسطينية، وكان على رأسهم الشهيد محمد صالح عمر، وشاركوا في القتال مع الإمام الهادي وكان أشهرهم محمد محمد صادق الكاروري ومهدي إبراهيم ومحمد صالح عمر والذي استشهد هناك.
ثم حملت الحركة عشرات البنادق في صحراء ليبيا واشتركت في قوات الجبهة الوطنية مع حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي.
ثم جاءت الإنقاذ لترتفع مئات الآلاف من البنادق، ومن كل الأجيال والفئات فمن طلاب الجامعات(دورات أسامة بن زيد)، إلى طلاب الشهادة السودانية(دورات عزة السودان)، وإلى الدورات الحتمية لموظفي الخدمة المدنية(حماة السودان )إلى تدريب المرأة(اخوات نسيبة)، وذلك غير الآلاف الذي تمرسوا على القتال في مناطق العمليات فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما(السائحون )عنكم ببعيد.

الوان