«داعش» .. قلق وحذر بريطاني
عكست معركة العشر ساعات البرلمانية في بريطانيا نهاية الأسبوع الماضي حجم القلق المتزايد الذي يعتري بريطانيا رسميا وشعبيا من أن تصيبها دائرة الهجمات الداعشية في عقر دارها.. وكانت الهجمات التي روعت جارتها فرنسا مؤخرا كافية لتتحسس الإمبراطورية العجوز مواقع أقدامها وتحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها. أخيرا وبعد معركة حامية في البرلمان البريطاني كسب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الرهان وصوت النواب على اقتراحه مشاركة بلاده في الغارات الجوية في سوريا. كاميرون بنى حجته على أن الحفاظ على الأمن القومي يتطلب أن تأكل عدوك قبل أن يأكلك، أي مهاجمة داعش في عقر دارها قبل أن تضرب بريطانيا في العمق بهجمات شبيهة بهجمات فرنسا.. أما غريمه زعيم حزب العمال جيرمي كروبن فإن معارضته لمقترح كاميرون تقوم على أن مشاركة بريطانيا مع القوى الغربية بعد 11 سبتمبر 2001 في شن حروب في عدد من الدول الإسلامية مثل أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا لم يأت إلا بنتائج عكسية على نحو متزايد، لأنها زعزعت استقرار تلك الدول وهيئت البيئة لنمو التنظيمات الإرهابية. فضلا عن أن بريطانيا عرفت بتسامحها الديني وأن هناك ارتياحا من جانب الجالية الإسلامية في بريطانيا لهذا التسامح، ولا داعي من ناحية أخرى لاستفزاز داعش لتقوم بهجمات انتقامية في العمق. وبلغت حدة النقاش بأن وصف كاميرون معارضيه بأنهم “متعاطفون مع الإرهابيين”، حتى أنه ووُجه بمطالب من بعض الأعضاء للاعتذار عن هذا الوصف.
ولعل تجربة حرب العراق القاسية أوجدت ارتباكا غربيا وليس في بريطانيا فحسب، تجاه شن حرب تقليدية ضد داعش، فبينما قال باراك أوباما يوم الخميس الماضي إن بلاده لن تشرع في غزو في العراق أو سوريا على غرار غزو العراق الذي قاده سلفه جورج دبليو بوش بإرسال قوات برية. يقول وزير خارجيته جون كيري في اجتماع ببلغراد لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا: “أعتقد أننا نعلم أنه دون القدرة على إيجاد قوات برية مستعدة للإجهاز على داعش فلن نتمكن من تحقيق النصر الكامل من الجو”. وفي وقت سابق، أعلنت فرنسا أنه لا يمكن إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة دون قوات برية على الأرض، لكنها قالت إنها لا تنوي نشر قوات فرنسية.
وتعتبر بريطانيا أكثر الدول الغربية حساسية في تعاملها مع الإسلام والمسلمين، وتقول الإحصاءات إن العام 2030 قد تصل فيه نسبة المسلمين 40% من سكان البلاد وأن أكثر أسماء المواليد تكرارا هو اسم “محمد”.. وارتفعت نسبة المسلمين إلى الضِّعف تقريبًا خلال العقد الماضي، وهناك نحو 2.6 مليون مسلم يقيمون فيها الآن. ونقلت صحيفة ديلي ستار صندي البريطانية عن مكتب الإحصاءات الوطنية أن هناك اليوم 38 منطقة في إنجلترا وويلز يشكل المسلمون أكثر من 50% من سكانها، بالمقارنة مع 20 منطقة عام 2001•
وأظهرت حادثة صحيفة “شارلي إيبدو” في فرنسا في يناير الماضي السياسة المغايرة التي تعتمدها بريطانيا، ففي ذلك الوقت شهدت تنفيذ الشرطة البريطانية “اقتحاما” حميدا لأحد مساجد مدينة بريستول ثالث أكبر المدن البريطانية.. حيث حضر صلاة الجمعة ضابطا شرطة، وقبل رفع الأذان الثاني واعتلاء الإمام المنبر قدم مسؤول لجنة المسجد الضيفين بكلمة ترحيبية، قائلا: “معنا اليوم ضيوف أعزاء، بغرض التفاكر معهم حول كيفية خلق تفاهم متبادل فيما يتعلق بأمور الدين”. وتحدث أحد الضابطين مبتدرا حديثه بإلقاء تحية الإسلام قائلا: “السلام عليكم، جئنا اليوم إليكم للتفاكر ومحاولة إزالة المفاهيم الدينية المغلوطة” ومضى يقول: “نحن نحترمكم كثيرا ونقدر القيم العظيمة التي يحملها الإسلام”.
وحرص كاميرون وهو في غمرة حماسه على الفصل بين داعش والإسلام في محاولة لكسب ود الجالية الإسلامية حين أشار إلى أن حكومته ستشير إلى تنظيم الدولة الإسلامية فقط بـ”داعش”، لأنه لا هو يمثل الإسلام الحقيقي، ولا هو دولة.
بيد أنه في ظل الأجواء الإيجابية تجاه الجالية الإسلامية يظهر على السطح ما يعكر الصفو ويثير القلق بين المسلمين، مثل العنوان الرئيسي الذي نشرته الأسبوع الماضي صحيفة “ذا صن” البريطانية، يقول:”واحد من بين خمسة مسلمين بريطانيين متعاطف مع الجهاديين”. وجاءت إحصاءات الصحيفة من بحث أجرته مؤسسة سيرفيشن لاستطلاعات الرأي، من خلال مقابلات تليفونية مع ألف من المسلمين البريطانيين في أعقاب هجمات باريس الأخيرة. ولم تظهر كلمة “جهاديون”، التي استخدمتها الصحيفة في عنوانها بين الأسئلة. ونأت المؤسسة بنفسها عن تفسير الصحيفة لبحثها، وقالت: “لم نؤيد أو نوافق على الطريقة التي اختاروا بها عرض القصة الخبرية وعنوانها”. وأضاف متحدث باسمها أن الأمر “كان صادما لرؤية التقرير بهذه الطريقة الصارخة”.