بالصور 3000 سوداني في الاردن يطالبون بحقوقهم كلاجئين
يجهل غالبية الأردنيين، لأسباب غير معروفة، أن بلادهم تضم أكثر من 3000 لاجئ سوداني، فيما يدركون تماما أن الأردن يضم لاجئين سوريين وعراقيين، هاربين من أتون الحروب والنزاعات في بلادهم.
وهذا التناقض بين الجهل بملف اللجوء السوداني والدراية بملف اللاجئين الآخرين، يعزوه لاجئون سودانيون إلى أمر بسيط جدا هو “سوء الحظ”.
فسوء الطالع أو سوء الحظ و”قلة الحيلة” أيضا، بحسب حديث مجموعة من اللاجئين السودانيين لـ”الغد”، هي ما كسرت شوكتهم وأضعفت حجتهم للصراخ بصوت عال، بأن لهم حقوقا تشابه حقوق كافة اللاجئين الآخرين.
هناك أكثر من 3000 لاجئ سوداني يعيشون في الأردن، أغلبهم في عمان، ويحملون صفة اللجوء، رصدت “الغد” أوضاعهم، من خلال مجموعة من المقابلات، ليتبين أنهم يحملون وثائق لاجئين مختومة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، ولكن بالرغم من أنهم يحملون هذه الصفة، منذ لجوئهم قبل ثلاثة أعوام، فإنهم في المقابل لا يحصلون على حقوق اللاجئين، فيما تؤكد “المفوضية” أنها تسعى دائما إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى حاجاتهم.
وتنص وثيقة الاعتراف باللاجئين السودانيين على: “يشهد مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة بأن الشخص المذكور أعلاه قد تم الاعتراف به كلاجئ من قبل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بناء على المعلومات المتوفرة لدى المكتب، وبصفته لاجئا فإنه يعتبر من الأشخاص المشمولين برعاية مكتب المفوضية، ويتوجب بشكل خاص حمايته من العودة القسرية إلى بلده حيث يواجه تهديدا لحياته أو حريته”.
ولجأ ذلك العدد الكبير من السودانيين للأردن، هربا من النزاعات والحروب في دارفور غربي السودان، التي بدأت من العام 2003 على خلفيات عرقية وقبلية، الأمر الذي هدد حياة المواطنين السودانيين هناك، بحسب ما يقولون لـ”الغد”، خصوصا وأن منازلهم أحرقت وشردوا وتم تهديد حياتهم بالخطر، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى الأردن بحثا عن “الأمان”.
غير أن توصيف الشعور بـ”الأمان” لا يعني أن يعيش اليوم أكثر من 150 لاجئا سودانيا داخل خيم مهترئة، أمام مبنى مفوضية شؤون اللاجئين في عمان، منذ أكثر من 14 يوما، من أجل لفت الأنظار إليهم، وتحقيق مطالبهم بالحصول على حقوق اللاجئين، المحرومين منها منذ لجوئهم الى الأردن.
وخلال هذين الأسبوعين، تعرض هؤلاء اللاجئون إلى أسوأ ظروف الحياة، من برد وأمطار، أغرقت خيمهم التي تضيق بهم، وأمراض اجتاحت عظام الأطفال الضعيفة، كل ذلك يحدث أمام مبنى مرسوم على جدار بوابته الرئيسية صورة لطفل تحمل عبارة “الوقوف مع اللاجئين”.
آدم حسن، لاجئ سوداني، كان حلقة الوصل بين “الغد” واللاجئين الآخرين، لجأ الى الأردن العام 2013 هربا من الحرب في دارفور، إذ كان يبحث عن “حياة طيبة” كما يقول، لكنه حتى اللحظة لم يحصل على حقوقه كلاجئ في الأردن، و”دبّر حاله” من خلال أهل الخير في الأردن.
واصطحب آدم فريق “الغد” الى مجموعة من اللاجئين السودانيين، يصل عددهم الى أكثر من 150 لاجئا من كبار السن وعائلات مع أطفالهم، ومجموعات من الشباب يعتصمون أمام مبنى مفوضية اللاجئين منذ أكثر من 14 يوما داخل الخيم للمطالبة بحقوقهم.
إحدى اللاجئات وتدعى ابتهال (24 عاما) والموجودة مع عائلتها المكونة من 4 أفراد، لجأوا إلى الأردن منذ ثلاثة أعوام، تقول لـ”الغد”: “عانينا كثيرا وما زلنا نعاني منذ لجوئنا إلى الأردن، حتى زوجي ونظرا لأنه لا يستطيع الحصول على تصريح عمل، فكلما يحصل على عمل ليؤمن لنا لقمة العيش، يتم سجنه”.
وتنص وثيقة الاعتراف بصفة اللجوء على: “يعرب مكتب المفوضية للأمم المتحدة عن فائق تقديره لأي مساعدة تقدم إلى الشخص المذكور أعلاه، وهذه الوثيقة لا تخول حاملها تصريح عمل أو إقامة في الأردن، إن إصدار هذه الوثائق المتعلقة بتصاريح العمل أو الإقامة تقع حصريا ضمن سلطة الحكومة الأردنية”.
لكن الواقع المؤلم، الذي يعيشه اللاجئون السودانيون، كما تضيف ابتهال، ليس مسؤولية الحكومة الأردنية، بل المفوضية التي لا تقبل حتى اليوم منحهم حقوقهم، كما تقول.
وتضيف ابتهال: “كون اللاجئ السوداني غير قادر على الحصول على حقوقه، فإن أطفاله بالتالي محرومون من التعليم، ومن الرعاية الصحية أيضا، بالرغم من سوء التغذية الذي سبب لهم المرض بالأنيميا (فقر الدم)، كما أن سوء الحال والحيلة أيضا يمنعنا من إخضاعهم للعلاج”.
وردا على سؤال حول ما يتناولونه من طعام، أجابت ابتهال بخجل: “نلم الخبز النظيف من الحاويات القريبة من مكان اعتصامنا، وأحيانا نحصل على مساعدات من أهل الخير”، مستبعدة فكرة عودتها هي وعائلتها إلى السودان، لما يشكله ذلك من خطر على حياتهم.
وخلال التجوال بين الخيم المتلاصقة والمتراصة، رصدت “الغد” عدة مشاهدات هناك، مثل مشهد لمجموعة من الأطفال وهم يمارسون حقهم المشروع في التعبير عن براءتهم باللعب بالفلين المتبقي في الصناديق الكرتونية في حاويات القمامة، إضافة الى مشهد مجموعة شباب يحملون لافتات مكتوب عليها “أين الحماية والأمن والخدمات الاجتماعية؟”، و”نحن مجهولون من قبل المفوضية”، إضافة إلى مشهد “مطبخ المعتصمين”، وهو عبارة عن خيمة مهترئة تكسوها الأطعمة التالفة والخبز اليابس، فضلا عن مشهد مكان قضاء الحاجة، وهو الخلاء.
هدى، لاجئة سودانية متزوجة وموجودة مع عائلتها المكونة من 5 أشخاص، من غير الحاصلين على مسكن وتعليم وخدمات صحية، أجابت ردا على سؤال حول “كيف يطيقون العيش في ظل هذه الظروف الصعبة”، بقولها: “خليها على الله”.
وعن أسلوب التعامل معهم، تقول: “نحن غير مرتاحين، نتعرض لإساءات وتجريح، خصوصا الأطفال الذين يعانون من اضطهاد، إذ يتم شتمهم في الشارع، والسخرية من لون بشرتهم”، وتطالب بأن يتم تحريك ملفات اللاجئين السودانيين في المحافل الدولية.
“بردانين كتير”، تقول هدى ، وهي تبكي جراء الظروف الصعبة التي مرت وما تزال تمر عليهم خلال اعتصامهم، خصوصا خلال أيام البرد والمطر، وصعوبة الحصول على غذاء، حيث يكتفي المعتصمون بما يزودهم به أحيانا عابرو الطريق، الأمر الذي يؤثر على إرضاعها لطفلها ذي الشهرين، وتضيف: “حليبي ضعيف كتير، لأنني جوعانة”.
بدوره، يستنكر اللاجئ مبارك إبراز بعض وسائل الإعلام لقضيتهم واعتصامهم بقولها إنه “اعتصام ينفذه سودانيون للمطالبة بالحصول على لجوء في الأردن”، مؤكدا أنهم حاصلون على اعتراف بهم كلاجئين، وهو ما رصدته “الغد” في وثائق الاعتراف.
ويقول مبارك: “ليس لدينا مشكلة مع الأردنيين، ما شفنا منهم غير كل خير، حتى الشرطة تقاسمنا أكلها ومياهها، مشكلتنا مع المفوضية، نريد مأوى وعملا نستطيع أن نطعم منه أطفالنا”.
ويشعر مبارك باستحالة العودة إلى السودان، لأن حياتهم ستكون في “خطر” هناك، كما يقول.
أما اللاجئ الشاب حاج فيقول: “نحن هنا كلاجئين لم نستطع الاندماج مع الأردنيين، ولم نستطع الحصول على مطالبنا، ونواجه صعوبات كبيرة في العيش، طوال فترة وجودنا نطالب بالحصول على حقوقنا، لم نحصل على رد حتى الآن، نعاني من البرد القارس، نعيش واقعا مؤلما، ننتظر ضوءا أخضر كي نعيش حياة كريمة، من الصعب أن نعود للسودان، لأننا سنقتل أو نسجن، بيوتنا أحرقت”، مناشدا المنظمات الإنسانية الدولية للتدخل فورا لإنصافهم.
من جانبه، يؤكد الناطق الإعلامي باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين محمد الحواري لـ”الغد” أن “عدد طالبي اللجوء من السودانيين داخل الأردن يزيد على الألفين”، مضيفا: “تحرص المفوضية على المساواة والعدل بين جميع الجاليات المطالبة باللجوء، لا توجد أي تفرقة، ويحصل السودانيون على مساعدة نقدية تشمل 37 ٪ من إجمالي عددهم”.
ووفق الحواري فإن “هذه النسبة تفوق نظيرتها التي تعطى للجاليات الأخرى كالعراقية والسورية”، مضيفا: “نحاول دائما إبراز ما يحتاجه اللاجئون هنا في الأردن للمجتمع الدولي حتى نتمكن من تلبية جميع احتياجاتهم”.
وأشار الى أن طالبي اللجوء “ليس من حقهم التوطين في بلد آخر، نحن نحاول أن نقدم الحل الأمثل، وهو يشمل كل ما يمكن حفظ كرامة الإنسان، والمساعدات النقدية ليست مستحقات إنما محاولة منا لتوفير ما نستطيع لهم، كما نحث دائما المجتمع الدولي على الالتفات لهؤلاء المستضعفين”.
وردا على حصول “الغد” على وثائق تثبت أن هناك سودانيين حملة وثائق اعتراف بصفة اللجوء، أجاب الحواري: “نحن وفرنا لهم الحماية والأمان في الأردن، والأردن مشكورة على ذلك بتحملها أعباء صعبة في ظل الأزمات التي تمر بها المنطقة”. وأضاف: “من ضمن الحلول لقضية اللاجئين السودانيين العودة الطوعية إلى بلدهم، أو التوطين في بلد آخر، وهذه حلول ليست حقوقا”.
الغد الاردني