أنقذوا أطفال شرق السودان
في العام (2013م)، هوت تصريحات بابكر أحمد دقنة وزير الدولة بالداخلية حينها، كالصاعقة على رؤوس الجميع، حين كشف للصحف عن احتمال كبير لانقراض سلالات من (البجا) القاطنين بعضاً من قرى ولاية كسلا، بسبب الفاقة والفقر وانتشار مرض الدرن، ما جعل تلك القرى لا تشهد حالات ولادة منذ5 سنوات تقريباً، أي منذ (2008م).
حينها، وللأسف انبرت بعض الأقلام (النيئة) تكيل للوزير من كل جهاته، وتشوش على الحقائق التي أعلنها، وإن جاء ذلك متأخراً نسبياً، وفي السياق هذا كنت أشرت في (حصتي الأولى) إلى أن احتمال انقراض بعض سلالات البجا جراء الجوع وما يترتب عليه من أمراض كالدرن، أمر قديم، ليس وليد لحظة (بابكر دقنة)، فمنذ زمن بعيد وصف الشاعر الراحل محمد الحسن حميد مشهد هؤلاء (المنقرضين المحتملين) من الشعب السوداني، شعراً بقوله: “شفع العرب الفقارى البِفِنّوا الشايلا إيدهم ويجروا كابسين القُطاره/ لا سراب الصحراء مويه لا حُجار سلوم موائد/ حالكم البصرخ بنادي، يا وطن عز الشدائد”.
وكنت أشرت من قبل إلى أنني اطلعت على تقرير صادر عن برنامج الأعذية العالمي في العام (1999م)، يحذر من انقراض (البجا) خاصة القاطنين في الصحراء ما بين (هيا وأتبرا) وإلى تخوم (حلايب)، وكشف ذات التقرير عن أن استعصاء الإنجاب في تلك النواحي ناتج عن الجوع والمرض (السُل)، وحذر من أنه ما لم يتم تدارك الأمر على وجه السرعة فإن القوم لا محالة مُنقرضون.
وهكذا مضت الأمور، وأجهزتنا الرسمية (الحكومة) ومن انضم إليها ومن لم ينضم، من معارضة شرق السودان الضعيفة والمُصابة بسوء التغذية الفكرية والسل السياسي، تدير ظهرها لهذا الوضع الخطير وكأن من يهلكون ليسوا بشراً ولا حتى هواما، إلى أن جاءتهم أول أمس منظمة اليونسيف، لتقول لهم بالحرف الواحد: إن أوضاع الأطفال بولايات شرق السودان مثيرة للقلق، وإن معدلات سوء التغذية هناك أسوأ منها في ولايات دارفور، الأمر الذي يتطلب ميزانية أكبر، وجاء على لسان نائب المدير التنفيذي للمنظمة الدكتور عمر عبدي، في مؤتمر صحفي في ختام زيارته للسودان الأحد، أن نسبة وفيات للأطفال دون الخامسة تصل إلى 68%.
بطبيعة الحال، فإن الأمر خطير للغاية، ما يتطلب تعاضدا وتكاتفا في الجهود من أجل إنقاذ هؤلاء الأطفال من براثن الموت، فالتعويل على الأمم المتحدة ليس كافياً، كما أن الحكومة تقف مكتوفة الأيدي إزاء ذلك ولا تحرك ساكناً. لكن أين منظمات المجتمع المدني مما يحدث؟ تلك المنظمات التي تملأ الدنيا عويلاً ونحيباً وصراخاً في ما يُمكن اعتباره (صغائر) مقارنة بهذه الكارثة، أما حان الوقت كي تتحرك لإنقاذ هؤلاء المساكين؟، وهل يليق بنا كبشر التخلي عنهم وهم يجابهون الموت جوعاً لوحدهم؟ ولماذا لا نهب للأخذ بأيديهم من شفير الهاوية؟ فتعالوا جميعاً إليهم، الآن قبل الغد. وأجزم أننا نستطيع أن نفعل ذلك.